د.عبدالعزيز الجار الله
هذا الرجل الذي حفظ لنا تاريخ الحجر، وتاريخ الرمل، وتاريخ الحرات، وتاريخ بلادنا في كل سبخاتها الزراعة وقيعانها النائية وواحاتها المخضرة بالأشجار، الشيخ محمد بن ناصر العبودي، هذا الباحث الذي عطر حياتنا الثقافية كرمته الدولة بفوزه بجائزة الملك عبدالعزيز للكتاب 2016م وتلقى كلمات الثناء من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على مؤلفاته ورحلاته، وكما قالها في ليلة الاحتفاء به في ثلوثية د.محمد المشوح يوم الخميس الماضي (جريدة الجزيرة الخامس من شعبان 1437 هـ) هذا الرجل أشعر أنه عاش في أكثر من زمن، وأنه يسبق جيلنا البلداني بمراحل.
في كل اللقاءات التي جمعتنا به في الندوات ببريدة وفي منزله العامر بالرياض أو منزل د.محمد المشوح في خبوب بريدة، أو في مسجده المجاور لنا يعيدني بياض شعر لحيته وبياض جفنيه وسكونه وطمأنينته تعيدني إلى بريدة القصيم، بريدة المدينة الزراعية البكرية التي ولدت من غابات النخيل، ومن مزارع العنب والرمان والثمار الحمضية، تعيدني قسمات وجهه إلى أزمنة القرن العاشر الهجري عودة ظهور القرى النجدية ومعها عاد الأمل لسكان وسط جزيرة العرب، وبلادنا تشهد أول ولادة لها في الدولة السعودية الأولى، تعيدني قسمات وجهه القصيمي المعتق بسمات الأجداد، والمخضب بتاريخ الأرض، وإلى الحكاية الأولى لتوحيد بلادنا حين كانت الأقاليم متباعدة بالزمن، والهجر على أطراف النفود عارية، والقرى معلقة بالجبال والمدن محاطة بالسبخات الطينية المالحة وكيف خرج الملك عبد العزيز -رحمه الله- حاملاً معه حلم الدولة الكبير، وكيف القائد الذي بتوفيق الله وقوته استثمر بعضًا من الأحواض الجافة بعد أن تحولت إلى أنهار من النفط فهذه بركة من الله العلي القدير كرم بها أهل البلاد.
العبودي كما قال في ثالوثية د.المشوح: لدي (170) كتابًا في أدب الرحلات طبعت منها (134) كتابًا، إلى جانب معجم أسر القصيم التي بلغت (23) جزءًا لأسر بريدة و(17) جزءًا لمعجم أسر عُنيزة وسيرى النور قريبًا معجم أسر الرس. وهذا تواضع من الشيخ العبودي فمؤلفاته مع المعاجم تتجاوز (200) كتاب، تميزت أعماله بأنه كتب في:
الدعوة لله ونشر الدين الإسلامي.
التاريخ السياسي والحضاري والاجتماعي.
الأنساب واللسانيات والأدب.
الجغرافيا والبيئة.
كانت ولادة الشيخ محمد العبودي (1345هـ) وهذا مكنه من أن يكتب تاريخ المدن والسكان وهي في صورتها الأولى قبل أن تغير الطفرات الاقتصادية من مواقعهم ومن سلوكهم وأنماطهم، وهو ما ميز العبودي، إضافة إلى غزارة إنتاجه وتنوعه، حفظ الله لنا شيخنا وبارك الله به فالعديد من الرسائل العلمية الجامعية العليا استفادت من مؤلفاته، كما أنه حفظ لنا خزينة من المعلومات عن وطننا العامر بإذن الله.