سام الغُباري
من يصمت اليوم لن يتحدث غداً، كان الرئيس عبدربه منصور هادي محاصرا في منزله، فماذا صنعت لأجله؟، كنتُ سجيناً خلف قضبان الألم والقهر، أناشدك التدخل لحمايتي وتوفير بيئة عادلة لمحاكمتي أو إدانتي، فما لبيت ندائي السجين وأنا صديقك، وابن حزبك الكبير، قتل الحوثيون عشرات من أقارب الرئيس خلف منزلك، وما أغثته ولا رأيت فيه وجوب النصرة وقول كلمة الحق!، فصل الحوثيون أكثر من ألفي مدير عام، وأهانوا الوزراء، حاصروا قيادات المؤتمر الشعبي العام، واحتلوا منزل الدكتور عبدالكريم الأرياني، فتشوا سيارات المارة، احتلوا النقاط الأمنية، قتلوا الجنود، وقفزوا على «شبوة»، حيث سقط رأسك وبكيت، ووالدك يُكبر في أذنيك تكبيرة الدين والفرح.
- كنتَ كبيرا، كبيراً في ابتسامتك، كبيراً في مصافحتك، كبيراً في حديثك وخطابك، تُغلفك شهامة الرجال، وتظهر علينا بلباس البدوي الطيب، الكريم، رائحتك الطيبة في وزارة الشباب والرياضة أثرت قلوبنا وأغدقت علينا أمل النزاهة في زمن الفاسدين، فماذا جرى؟
.. أين أنت؟
- الحوثيون الذين كنت تحشد خلفهم وتلاحقهم بشباب الوطن، وتساهم في محاربتهم كمنكر، صاروا اليوم يلاحقونك إلى منازل أصدقائك ويحاصرون مقيلك، يخترقون إرادتك، وأنت مبتسم راضٍ، تتحدث عنهم كحلفاء!، ومن الذي مات في الحروب الست في صعدة؟، ألم يكونوا يمنيين يستحقون الخجل من دمائهم، وتضحياتهم، كانوا يقاتلون وعلى نوافذ عرباتهم صورة (الزعيم) الذي كان رئيساً، وكُنا كُلنا خلفه نلاحق الباطل إلى أخطر الكهوف صعوبة ومقاماً، صعدنا صعدة وبشّرنا بفتح الدولة على المتمردين، فإذا أنت تصير متمردا مثلهم، نسخة مكررة من أقوام خاسئين، وأنت عارف..!
- إن كان لزعيمك هدفٌ وراثي، أفكار عنيدة تلاحقها وساوس الانتقام، صمود في وجه من يراهم معتدين، فمن يعتدي اليوم، نحن أم أنت؟، هل كان ذلك الرجل الذي ضمخت أصبعك بحبر انتخابه خائناً كما تقول؟ فمن هو الذي خان جنود صعدة المؤمنين، وطعن رفاتهم وتحالف مع قاتليهم؟، الوجع السابق لا يستقيم مع ورثة الولاية الكهنوتية، أنت لا تشبههم، ولست منهم؟..
.. أين أنت..
- عمو عارف..
من ذا الذي يحاصر رئيسا منتخبا، ويلاحقه في شوارع صنعاء، يطوقه صعاليك مجهولون، فلا يراكم أمامه، رجالاً فقط، لم يقف شيء معه، كل الكائنات اللزجة في صنعاء سكتت، ابتلعت ألسنتها، وهو العجوز الوحيد الذي يبكي دماً وقهراً، وسط قوم لا يعرفون الأخلاق ولم يسبق لهم أن يتعرفوا إليها!، قال رئيس الوزراء المحاصر أن أولئك الصعاليك ضربوا الرئيس.!
- هل رأيت رئيساً يُضرب!، والمعسكرات ممتلئة بالجنود، والسلاح والدبابات، والطائرات.. هادي لم يخسر معركة، لأنه لم يُقاتل؟ لم يستجب له جندي واحد؟، لقد خانوه!، قال لهم اذهبوا لنجدة «القشيبي» لكنهم توقفوا في «الأزرقين»، وصاحوا مخادعين، إنهم يقتلوننا!، ثم تركوا السلاح للحوثيين وفروا!، قادة الجيوش ومخازن العتاد والرصاص استلمه المتمردون مُغلفاً وطرياً، وليس أسهل من تفجير مخازن السلاح، لترات قليلة من البنزين كفيلة بتفجير كل شيء، لكن أحداً لم يفعل!، وأنت تصرخ أن «هادي» يخون!، هادي الانفصالي، هادي الفار، وقد فر إلى عدن لاذ بأهله، وأعاد تنصيب نفسه رئيساً، ودعاكم إلى الحوار، فأرسلتم إليه طائراته التي كان عليها أن تقصف من حاصره، فقصفتم منزله، وداره، سجنتم أخاه، وكان من عدن يقول لكم إنها الوحدة، وأنتم تتمردون!
- لولا هادي هذا الذي يغيظني بصمته الكبير، لكان كل من في الضالع قد وضع برميل التشطير، وقد فَعلت بهم وببلادهم قبائل الانفصال كل ذلك الذبح والألم، تقاطروا من الشمال لملاحقة رئيس جاء من الجنوب، فما استوعبته أسوار صنعاء، وحاصرته.. لولا هادي، لأعلن كل من في الجنوب انفصالهم عن الشمال بنص الانقلاب الذي بدأ من صنعاء، لكنه لم ينفصل وهو بطل حرب الوحدة في صيف 94م، لعق جراحه، وأعلن لكل اليمنيين أنه ما يزال الرئيس!، فأرسلتم إليه قوات وآليات وأسلحة وبوارج عتيدة ما رآها ولا علِم بها، وهو الرئيس!.
- القائد الأعلى للقوات المسلحة يخشى أن يكتشفه جندي من قواته، فيقتله!، هل رأيت أقسى من هذا؟، مُطارد من شوارع العاصمة، إلى ذمار، إب، الضالع، لحج.. حتى وصل إلى عدن، وقال مرة أخرى: أنا الرئيس!، وما كان لكم عقل، مارستم الخيانة وصفقتم لقتلة الجنود ومفجري دور القرآن والمدارس، كُنتَ تُخزن مع قادة الحوثيين في مقيل واحد، وأنت تسمعهم يلاحقون ذلك الذي انتخبته اليمن كلها، فلا تأبه.. وتأتي اليوم في (بني الحارث) لتصفه بالخائن!.
- أغلق الرئيس هاتفه خوفاً من رصده بأجهزة الأمن القومي، فر من عدن باتجاه حضرموت، كان يقصد القصر الجمهوري، وفي نقطة التفتيش القريبة من هناك، كمن له الجنود الذين أبلغهم قادة متواطئون أن من في موكب السيارات القادم إليهم شخص خطير بحوزته مائة وخمسون مليون دولار، جاءت التوجيهات إليهم بقتل كل من في الموكب ونهب كل شيء لهم، وكان العقيد «ذياب القبلي نمران» قائد قوات النجدة بحضرموت ينهب خطوط الإسفلت للحاق بنقطة التفتيش قبل أن يصل الموكب، التقيا هناك، وتأهب الجنود الذين يحمون الرئيس المقهور للدفاع عنه، وصاح «ذياب» فيهم، إنه قائد المنطقة، دعوه، دعوه، فتركوه ونجا الرئيس بأعجوبة!، وفي حدود عُمان استوقفوه لأربع ساعات، لم يكن معه جواز سفر، ولا أي دليل على أنه الرئيس اليمني!، منعه حرس الحدود من اللجوء إليهم، حتى وصلت التوجيهات، وكتبوا بأقلامهم على جوازات فارغة أسماءهم، وعبروا.. ومن هناك انطلقوا إلى السعودية.
- ما أصعب أن تفر من وطنك، لتلقى من يهنئك بسلامة الهروب!، فكيف ذلك وأنت الرئيس الذي تركه الجميع.. كل الناس، القبائل، الجنود، الوزراء، السياسيون، الأحزاب، الأمر صعب للغاية، وما يزال «هادي» متحملاً كل هذا الوجع الذي يقضي على أمة بأكملها.
- غادر الرئيس اليمني، وقائد القوات المسلحة بالَعلْم الذي قال: إنه ما استلم غيره، وكان انقلاب صنعاء الأسود دليلاً على صدق ما يقول!، وأنت تعرف أكثر من هذا، ففي اليوم الذي صفقنا لتداول السلطة، ومشهد الرئيس الجديد يُقدم سلفه عليه في الكرسي عالق بأذهاننا، طُعن الرئيس بآلاف الخناجر، وما سقط.. واليوم، تحشد أنت ومن معك عليه، بأي صفة تُطالب اليمنيين لقتال بعضهم، والتصدي لقيادة الجيش الوطني، وحرمان الدولة من رمزيتها، والموظفين من وزرائهم، والأمة كلها من الرئيس!، من أنت لتفعل ذلك؟، ما صفتك العسكرية؟، أنت أمين عام حزب أم وزير دفاع؟!.
- لقد وقف هادي أمام أصابعكم السوداء، وله ما عليه من الأخطاء التي لم تكن سيئة بالقدر الذي جعلكم تخونونه وتذلونه وتقتلون رفاقه وأحفاده، وتنقلبون عليه، وتحطمون بأسه وقدرته، وتكسرون رئاسته وتدمرون حياته، وتحولونه إلى شيطان مخيف، تعوّذوا من أنفسكم أولاً.. وأعيدوا الخارطة كما هي قبل 26 مارس 2015م، وستجدون أن استغاثة الرجل بجوار المملكة كان ضرورة لوقف الوقاحة السائلة من صنعاء، لإعادة الاعتبار للقيم، والأخلاق، للشهامة التي تيبست في عروق الانقلابيين، للعروبة التي فضلتم عليها إيران وروسيا، للملايين الذين انتخبوا الرئيس فصادرتم حقهم وقطّعتم أيديكم على من هو كاذب ودميم الوجه، وكان الأولى بك يا «عمو عارف» أن تشير بإصبعك إلى صدرك لتكتشف من المتمرد!.
.. عمو عارف الزوكا..
نحن فقراء وأبناء فلاحين، بسطاء من الحقل، تكسونا سمرة القمح، وتُشبعنا أناشيد الوطن، وترانيم البطولة، لكننا لم ولن نسمح لأنفسنا أن نكون فقراء رجولة أمام الحق والرئيس والشرعية الدستورية، أمام الدولة وإن كانت على عكازين، ذلك هو الفقر الحقيقي.
.. والله المستعان.