سعيد الدحية الزهراني
حينما أنجز عبقري الفن الأسباني بابلو بيكاسو عمله التشكيلي الشهير (جورنيكا).. مصوراً فظاعة الجرائم التي ارتكبها جيش النازية الألماني في إحدى المعارك.. زاره أحد الضباط الألمان فرأى صورة العمل فسأله: (أهو أنت الذي صنعت هذه الصورة يا سيد بيكاسو؟ فرد عليه: بل أنتم الذين صنعتموها (! .. فغدت مشهدية تلك اللحظة الفارهة بالبؤس ـ من تلك اللحظة ـ أيقونة للخلود الذي يصور الحال التي صنعها أحد.. ثم يسأل عمن صنعها !
أستعيد تلك المقولة ومشهديتها العالية الآن.. ونحن نستقبل الهيئة الوليدة للثقافة مصحوبة بإرث ثقيل من الخيبات صنعته المؤسسة الرسمية.. الفارق أنها لم تسأل.. وهنا يتخلق السؤال بالإنابة.. فتتمثل أمامنا إجابة بيكاسوا بكامل وقعها الأليم: أنتم من صنع هذه الخيبات !
ما أزال أتذكر تلك الحالة الفرائحية الهستيرية التي لفّت المشهد الثقافي بأكلمه حين أُقرت الثقافة ضمن حقيبة الإعلام الوزارية.. وانتقال جملة من الأنشطة والمجالات الثقافية التي تفرق دمها بين قبائل الجهات الرسمية الأخرى لتنضوي تحت مضلة وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بوكالة الشؤون الثقافية..
أظن أن سقف الآمال كان مرتفعاً ـ فوق العادة ـ وإلا لما تحولت تلك الأحلام والطموحات إلى تاريخ من الخيبات التي يصعب استئصالها اليوم مع ولادة الهيئة العامة للثقافة.. وهذا ما يجعل من مهمة فريق قيادة الهيئة ضرب من التحدي المر للغاية.. وهنا يكمن الأمل الوحيد.. العمل بروح التحدي.. أما ما عداه فلن ينتج سوى المزيد من الخيبات الثقافية المتناسلة من جذور ضاربة في عمق الإحباط..
على الجانب المقابل يبرز دور الوسط الثقافي.. وهو دور مفصلي في الفوز بالتحدي الثقافي الوطني العام.. وكم أتمنى أن يأتي ذلك اليوم الذي نتبادل فيه السؤال مع فريق قيادة هيئة الثقافة الوليدة : هل أنتم من صنع هذا؟ فتأتي الإجابة: بل أنتم من صنعه!
** الإنجاز.. تحدٍ !!