د. عبدالرحمن الشلاش
لا حديث للناس في منتدياتهم ومجالسهم يعلو على الحديث عن الرؤية السعودية 2030، فمن اللحظة التي أقر فيها مجلس الوزراء الرؤية ودشنها الملك سلمان ثم كشف عن ملامحها الأمير محمد بن سلمان في حديثه لقناة العربية والحديث مستمر لا يتوقف.
من الطبيعي أن تثار تساؤلات كثيرة خاصة والتحول كبير جدا، والتغيير شبه جذري و بالذات في النظرة الاقتصادية من النظر إلى أن النفط مصدر الدخل القومي الوحيد إلى اعتباره أحد مصادر الدخل ويمكن الاستغناء عنه بعد تنويع المصادر وزيادة مساحة الاستثمارات.
من الواضح أن الرؤية السعودية بخطوطها العريضة وتفاصيلها الدقيقة قد بذل في إعدادها جهودا جبارة وبالتالي جاءت متواكبة تماما مع طموحات القيادة والشعب وبما يؤدي إلى تحول عظيم في المستقبل القريب بإذن الله، لكن تحقيق هذه الرؤية الطموحة وبما يتمناه القائد يتوقف من وجهة نظري على ثلاثة عناصر أساسية هي الرؤية بكل تفاصيلها، والفرق البشرية المنفذة، والمجتمع المتأثر بنتائج العمل.
أكبر تحدي يواجه عادة تطبيق الخطط وتحويلها من أهداف على الورق إلى منجزات ملموسة على الواقع مدى كفاءة الأدوات البشرية المنفذة، ومدى تفاعل المشاركين والمستفيدين مع الخطط ودعمها كي تنجح ، فإذا ما حللنا ما يخص العنصر الأول وهو الرؤية وجدناها قد جاءت محكمة دقيقة فقد حدد إطار التحقيق في خمسة عشر عاما أي حتى عام 2030 م / 1452، أما محتوى الرؤية فيدور حول «السعودية العمق العربي الإسلامي.. قوة استثمارية رائدة، ومحور ربط القارات الثلاث»، أما الأهداف الرئيسية فاتجهت لتحقيق اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح، الأجمل أن الرؤية قد ضبطت بمؤشرات محددة ودقيقة فلم تعتمد على العموميات وكلمات الإنشاء الفضفاضة، وسآتي هنا على بعض تلك المؤشرات ومنها على سبيل المثال لا الحصر رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50%، وتقدم ترتيب المملكة في مؤشرات أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى المرتبة 25 عالميا والأول إقليميا، والوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40% إلى 65%، والانتقال من المركز 25 في مؤشر التنافسية العالمية إلى أحد المراكز إل (10) الأولى، ورفع قيمة أصول الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى ما يزيد على 7تريليونات، وتخفيض معدل البطالة من 11.6% إلى 7%، ورفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6% إلى 10%، والمؤشرات كثيرة ولا يمكن ذكرها هنا ما يدل على قوة العنصر الأول المتمثل بالرؤية.
العنصر الثاني والمتمثل في كفاءة العناصر البشرية في الأجهزة الحكومية، ومدى قدرتها على استيعاب الرؤية وترجمتها إلى منجزات وعلى هذه العناصر يتوقف تحقق الأهداف من عدمه، وبالتأكيد فإن الدولة قد وضعت في حسبانها هذا العنصر الهام جدا من حيث اختيارها وتأهيلها وتدريبها وحفزها ثم محاسبتها.
العنصر الثالث في نظري يعد من أهم تلك العناصر إذ على مستوى وعي المجتمع وتقبله وتحمسه يتوقف النجاح، فالوعي سلوك والوصول إلى تمثل السلوك يحتاج لتوعية شاملة. يجب أن يقرأ هذه الرؤية كل فرد وأن يستوعبها.
رفع مستوى الوعي والقضاء على بور التأليب والسلبية والتثبيط يحتاج لجهود جبارة بشكل مستمر طيلة المدة المحددة لتحقيق الرؤية.