يوسف المحيميد
ليست مصادفة أن تعزف نحو 40 بالمائة من الشركات العقارية عن المشاركة في المعارض المختصة بالعقارات والمساكن، فالركود لم ينسحب على شراء الوحدات السكنية والأراضي فحسب، وإنما حتى التفكير والاطلاع على جديد الشركات، وزيارة هذه المعارض السنوية التي يتم تنظيمها في المدن السعودية الكبرى، لذلك ليس ثمة جدوى من استئجار أجنحة ضخمة، وتصميمها بطرق فريدة، وتقديم المشروبات والمأكولات والابتسامات الصفراء، لأن ليس هناك من يأتي كي يضع عنقه مختارًا تحت سيف القروض المجحفة، التي تشهرها أجنحة البنوك التجارية المشاركة في هذه المعارض.
وليست مصادفة أن تتوالى الرسائل القصيرة sms من حسابات الشركات العقارية الشهيرة على جوالات المواطنين، لتسويق الوحدات السكنية، سواء الجديدة قيد الإنشاء، أو المنجزة منذ أشهر أو سنوات، إلى درجة أن بعض هذه الشركات توفر البيع بالتقسيط على مدى ثلاثين عاماً، وتوجد طرق جديدة لتحاشي دفع الـ 30 بالمائة التي تشترطها ساما للقروض العقارية البنكية، فضلاً عن المغريات كالتكييف المجاني، والصيانة... إلخ.
وليست مصادفة أن يتغيّر المسوّقون العقاريون بملاحقة المشترين خلافاً للسابق، حينما كان الطلب أكبر من العرض، فمجرد دخول العميل في مكتب شركة عقارية، أو اتصاله بإحدى هذه الشركات، يتم اعتماده عميلاً محتملاً، حتى وإن كان عميلاً عابراً، ليس جاداً في الشراء، لأن العميل الجاد أصبح عملة نادرة، فكثير ممن يرغب فعلياً بالشراء ينتظر ما بعد شهر رمضان، حيث يتوقع مختصون انخفاض أسعار الوحدات السكنية، لأسباب عديدة ومؤثّرة، لا تقتصر على رسوم الأراضي البيضاء الذي سيتم تطبيقه مع مطلع رمضان القادم.
وليست مصادفة أن يسمع العميل عبارة «طيب كم تصلح لك الفيلا، كي أرفع طلبك للشركة» فهي عبارة ذهبية للمشتري، تكشف أنه سيد الموقف الآن، وستزداد سيادته للمشهد قريبًا أكثر، مع المزيد من عزوف المشترين عن شراء العقارات لبضعة أشهر، خاصة أن الصيف على الأبواب، وهو الفصل الأكثر ركوداً، مما يعني المزيد من الكساد في السوق العقارية، ما لم تتنازل الشركات العقارية الكبيرة والصغيرة عن المبالغة في نسب الأرباح لمشروعاتهم السكنية والتجارية.
صحيح أن سوق العقارات تعرض إلى حالات مشابهة من الركود، والعزوف عن الشراء، وقلة التنفيذ في شراء الوحدات السكنية وبيعها، لكن الركود الذي نمر به، وحسب خبراء العقار، ورجال العقارات الكبار، سيستمر بضعة سنوات، قد تتجاوز ثلاث أو أربع سنوات، وتعطيل المشروعات السكنية الجاهزة لسنوات طويلة، في عرف المال والأعمال، يعتبر خسارة، سواء في تجميد أموال هذه العقارات المعطّلة، أو في ضرورة صيانتها خلال هذه السنوات الطويلة، مما يعني قيام هذه الشركات المالكة، مضطرة، بخفض الأسعار إلى مستوى الطلب المتوفر والارتهان إلى معادلة العرض والطلب في السوق.