د.عبدالله الغذامي
أكاد أجزم أن عبدالله بن خميس ـ رحمه الله ـ قد تعمد أن يسمي المطابع التي أنشأها باسم الفرزق وتعمد أن يكون موقعها في قلب شارع جرير (الرياض) ويكون أيضا قد تعمد أن يصالح ذاكرة الأدب من النقائضيين جرير والفرزدق دون أن يتهاجيا ولا أن يضعا (مربعا) بينهما،وهذه مفارقة إيداعية في لغة الشوارع ولوحاتها وما تثيره في الذاكرة من مفارقات. ولا شك أن لغة لوحات الشوارع بعامة تحمل مفارقات ثقافية من حيث الأسماء والصفات ومثلها جملة (إذا كنت مسرعا فلا تستعجل) وهي جملة كانت مكتوبة على الطريق السريع من جدة إلى مكة المكرمة في أول تأسيسه، وهي جملة بلاغية تفيد بأن التوازن في السير هو الذي يوصلك لدربك وتحقق مرادك من الطريق إلى هدفك، فإن أسرعت فأنت تعرض حركتك لخطر يعرضك لما لا تحمد عقباه ولا شك أن من صاغ الجملة كان يصدر بها عن وعي لغوي فيه شيء من الإحالة الذهنية، غير أن التعليقات على الجملة زادت حتى تسببت أخيرا بإزالة اللوحة الإرشادية ووضع مكانها لوحة عادية تحدد السرعة بالكيلومترات وفقد الطريق جملة بلاغية كانت تزين مدخله وتحفز على التفكر والتظرف اللغوي،ومع هذه الخسارة الأدبية والذوقية فإن الطريق لم يسلم من النكت على تسميته بالطريق السريع، وهي صفة أربكت رجلا ريفيا مسكه المرور بحجة سرعته فما كان منه إلا إن سأل : كيف تسمونه الطريق السريع ثم تحاسبوننا على السرعة،وهو سؤال منطقي بكل تأكيد ويحيل إلى المعنى اللغوي لكلمة (السريع) وهذه هي حال اللغة حين تدخل في التداول الاجتماعي أو القانوني حيث تظل تسحب معها رصيدها الذهني والمعجمي وعبر هذا تحدث المفارقات اللغوية التي نشهدها في لوحات الشوارع والطرق.