محمد بن عيسى الكنعان
أخيراً عبَّر بان كيمون الأمين العام للأمم المتحدة عن (قلقه البالغ) من الأحداث الدموية الجارية في حلب بفعل طيران نظام الأسد، المدعوم من الطيران الروسي. هذا التعبير المفرط بالإنسانية الكاذبة، لا يقل استخفافاً بالعقل العربي والعالمي عموماً عن تصريح مماثل لجيم كيري وزير الخارجية الأمريكية، الذي اعتبر أن الوضع في سوريا خرج عن السيطرة، وأن الجانبين (المعارضة والنظام) ساهما في هذه الفوضى، ولأجل ذلك بحث كيري مع لافروف وزير الخارجية الروسي سبل تجديد التزام الأطراف السورية باتفاق (وقف الأعمال العدائية)، والعمل على تمديد هدنة في سوريا لتشمل حلب، وكيري بهذا التصريح والموقف المخزي يساوي بين الجلاد والضحية، بل يساوي بين البراميل المتفجرة، وأجساد أطفال حلب الطرية.
وبين أمين منظمة القلق، ووزير خارجية أقوى دولة؛ نجد دي ميستورا المبعوث الدولي لسوريا وراعي مفاوضات جنيف بين نظام الأسد وقوى المعارضة، يهرول إلى موسكو داعياً إلى إنقاذ الهدنة المؤقتة، والتوسط لأجل أن تشمل هذه الهدنة مدينة حلب.
التي اسُتبعدت من هذه الهدنة باتفاق أمريكي روسي، بحيث لا تشمل إلا دمشق واللاذقية، وهي معروفة بأنها مناطق للنظام.
وذلك بحجة أن منطقة حلب يوجد فيها فصائل وجماعات إرهابية كجبهة النصرة.
في السياق ذاته؛ تعلن فيه الولايات المتحدة رفضها إقامة مناطق عازلة أو آمنة في سوريا، بحجة أن هذه المناطق ليست بديلاً عملياً في الوقت الراهن، هذا في الوقت نفسه تؤكد الإدارة الأمريكية أنه يجب على روسيا ممارسة مزيد من الضغوط على حليفها بشار الأسد، لوقف هجماته على فصائل المعارضة السورية في حلب.
وهنا نلحظ حجم التناقض في الموقف الأمريكي، ربما لدرجة التواطؤ مع الروس والإيرانيين ونظام الأسد لكل ما يجري في سوريا وبالذات (الهولوكست السوري)، الذي جرى وما زال يجري في حلب، فمن جهة يتم استبعاد مدينة حلب من مناطق الهدنة بحجة وجود جماعات إرهابية؛ رغم أن الموجود هم أطفال ونساء أبرياء تم حرقهم بالبراميل المتفجرة والصواريخ الروسية. ومن جهة أخرى تطلب أمريكا من روسيا مزيداً من الضغوط على الأسد لوقف هجماته على المعارضة السورية في حلب.
ماذا نفهم من كل هذا؟ بيان الحال يغني عن السؤال، فهناك شركاء في (هولوكست سوريا)؛ كشفته بوضوح إبادة حلب الجارية منذ عشرة أيام، فعندما تُجبر قوى المعارضة على اتفاق (وقف الأعمال العدائية) في فبراير 2016م، وتلتزم به حقناً لدماء السوريين، بينما لا يلتزم نظام الأسد وجيشه بهذا الاتفاق ومن ورائهم الروس، من واقع الخرق المتعمد بالقصف المستمر والحرب المفتوحة على الأحياء المدنية في المدن السورية كما في حلب، وعندما يكون الطرف الروسي المشارك بالقصف راعياً للاتفاق ووسيطاً في المفاوضات، وعندما توافق أمريكا على استبعاد حلب من ما يسمى (هدنة الصمت)، التي تشمل مناطق النظام كدمشق واللاذقية، وترفض المناطق الآمنة، وتمنع تسليح المعارضة، كما تسكت على دور إيران الدموي في سوريا، وعندما يكون دور الأمم المتحدة التعبير عن القلق، والضغط على المعارضة للتنازلات. فنحن أمام شركاء ضالعين في (هولوكست) جديد يفوق ببشاعته الدموية وفظاعة جرائمه (الهولوكست اليهودي)، الذي قام به النازيون.
فعلى مدار ثلاثة أيام فقط من (الهولوكست السوري)؛ نفذ نظام الأسد: 260 غارة جوية، و110 قذيفة، و18 صاروخاً، و65 برميلاً متفجراً، بسببها استشهد 49 طفلاً و143 امرأة، و196 رجلاً جميعهم مدنيون - بحسب بيان الجيش الحر - فما بالك والقصف مستمر منذ عشرة أيام، وأمام مرأى من العالم الغربي (المتحضر).
فإذا كان هذا العالم الذي صار محامياً مخلصاً، ومدافعاً عالمياً عن (الهولوكست اليهودي) حتى أصدر قوانين التجريم لمن يفكر مجرد التفكير بالتشكيك في هذا الهولوكست، فإن هذا الغرب يقف متفرجاً، وأحياناً متواطئاً، وأحايين أخرى مشاركاً في (الهولوكست السوري)، الذي بدأ منذ العام 2011م، وبلغ ذروته في مذابح حلب الأخيرة في حق الشعب السوري وفصائل المعارضة، بينما يتمتع تنظيم (داعش) الإرهابي بكل حريته في المناطق التي يسيطر عليها، لدرجة أنه ترك منطقة تدمر التي استولى عليها لصالح نظام الأسد.
بل يتعامل معه النفط، ثم يقال إن روسيا والغرب يحاربون (داعش).
والصحيح أن ما يجري هو تأهيل لنظام الأسد.
لذلك؛ فنحن عندما نُدين الحضارة الغربية المتفوقة عالمياً، ونعتبرها حضارة مادية انتهازية وذات نزعة استعمارية، فلأنها فشلت وتفشل في تحقيق أدنى درجات المساواة في الحقوق الإنسانية بين الشعوب.
كما فشلت في بلورة القيم الحضارية كالحرية والعدالة على أرض الواقع الدولي، بحيث تكون مرجعية لكل الأمم ولغة بين الشعوب.
فالدم الغربي أو اليهودي تتنادى له حكومات ومنظمات العالم الإنسانية بالتظاهرات ورفع الأعلام للتعبير عن التضامن، بينما الدم المسلم يُراق، والأبرياء يبادون في بيوتهم بحجة محاربة الإرهاب.