فضل بن سعد البوعينين
ذكر في رؤية 2030 أن المملكة تستهدف «رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 % إلى 50 % على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي»؛ وأحسب أن تحقيق هذا الهدف يمكن أن يسهم في تحقيق أهداف متنوعة أخرى. فرفع نسبة الصادرات لن يتم إلا من خلال التوسع في قطاعات الإنتاج؛ وتنويع مصادر الاقتصاد؛ والاعتماد بشكل رئيس على الصناعة؛ الخيار الإستراتيجي للمملكة.
التركيز على أحد الأهداف الشمولية؛ كهدف رفع نسبة الصادرات؛ وتوفير متطلباته ودعم برامجه؛ وإزالة المعوقات من أمامه؛ أفضل من تشتت الجهود بين أهداف متنوعة تقصر أهميتها عن أهمية دعم الصناعة والتوسع في قطاعات الإنتاج. الأكيد أن العمل بخطوط متوازية؛ متى توفرت الإمكانيات؛ أفضل من العمل الأحادي؛ غير أن قدرة الأجهزة التنفيذية على تحمل أعباء أهداف الرؤية وتنفيذها بشمولية؛ في فترة زمنية واحدة؛ ربما يفرض نوعية القرار الواجب اتخاذه. النجاح في تحقيق أحد الأهداف المهمة والانتقال منه إلى الهدف الآخر يعزز فرص النجاح؛ ويغرس الثقة في الأجهزة التنفيذية ما ينعكس إيجاباً على رضى المواطنين وثقتهم.
التوسع في قطاعات الإنتاج الصناعي سيسهم بشكل مباشر في خلق مزيد من الوظائف النوعية وبما يساعد على تحقيق هدف «خفض معدل البطالة من 11.6 في المائة إلى 7 في المائة». قطعاً لن تكون الصناعة المصدر الوحيد لتوليد الوظائف؛ على أساس وجود قطاعات خدمية أخرى تعهدت الحكومة بتفعيل دورها؛ ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي؛ غير أنها أحد أهم القطاعات خلقاً للوظائف والفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تزيد من فرص التوظيف مستقبلاً.
رفع حجم الصادرات؛ مرتبط بشكل وثيق بقطاع الصناعة؛ ما يستوجب التعامل معه باحترافية متناهية؛ ودعم استثنائي يفضي إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية. المرجعية الحكومية؛ الأنظمة؛ التشريعات؛ الخطط الإستراتيجية؛ والمشروعات النوعية تشكل قاعدة القطاع الصناعي الكفؤ؛ وهو ما نحتاجه اليوم؛ للمضي قدما في تنفيذ «الرؤية» وبرامجها المستقبلية.
من متطلبات الإستراتيجية الصناعية وجود «وزارة صناعة» مستقلة قادرة على تحقيق أهداف الحكومة وتولي مسؤولية القيام بأعباء برامج «الرؤية» المكثفة. أحسب أن دمج الصناعة مع التجارة في وزارة واحدة كان من أسباب ضعف نمو القطاع الصناعي مقارنة بالخطط الحكومية؛ وعدم قدرته على الاستفادة من المقومات المتاحة؛ ومخرجات الصناعات الأساسية لبناء قطاع صناعي متكامل للصناعات التحويلية بنوعيها؛ الوسيطة والنهائية؛ ولولا الله ثم وجود الهيئة الملكية للجبيل وينبع؛ ومدنها الصناعية؛ التي أنشئت مع وجود «وزارة الصناعة والكهرباء»؛ لما نجحنا في استكمال الصناعات الأساسية والتوسع في الصناعات التكريرية والبتروكيماوية والتعدينية. الشراكة بين الهيئة الملكية وأرامكو السعودية أسهم بشكل مباشر في ضخ استثمارات صناعية كبرى في مدينة الجبيل الصناعية وينبع ورأس الخير؛ ساعدت على تعويض النقص وملء الفراغ.
من المنصف القول إن أداء وزارة التجارة والصناعة شهد تحولاً كبيراً مع وجود وزيرها الحالي الدكتور توفيق الربيعة؛ إلا أن متطلبات المرحلة المستقبلية خاصة في القطاع الصناعي تجعل من مهمة الجمع بين مسؤوليات الوزارتين في وزارة واحدة أمراً مستحيلاً؛ ما يستوجب فصل الصناعة عن التجارة؛ لتعزيز المكاسب وتحفيز القطاعين على المساهمة الفاعلة؛ باستقلالية؛ في الناتج المحلي الإجمالي؛ ومساعدة الوزراء على التركيز في أهدافهم المرسومة.
بالإضافة إلى أهمية وجود «وزارة الصناعة» لتفعيل دور القطاع الصناعي وتنميته؛ فإنشاء «الغرف الصناعية» المتخصصة يمكن أن يكون من أدوات دعم الوزارة؛ وتحقيق أهداف «الرؤية» ذات العلاقة برفع الصادرات غير النفطية؛ ودعم المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة؛ وخفض نسبة البطالة؛ إضافة إلى ما تحققه من دعم أكبر للمدن الصناعية المتخصصة كمدينة الجبيل الصناعية؛ وتحفيز للاستثمار الصناعي؛ والصناعيين للمساهمة الفاعلة في وضع إستراتيجيات وزارة الصناعة وخلق شراكة نوعية بين القطاعين الحكومي والخاص.
يغلب على غرف التجارة والصناعة الحالية الجانب التجاري الصرف؛ كما أن دورها في تطوير الصناعة ودعم المدن الصناعية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة غير موجود. فمدينة الجبيل الصناعية التي تضم ما يقرب من 70 في المائة من الاستثمرات الصناعية غير النفطية في المملكة تفتقد وجود غرفة صناعية متخصصة؛ الأمر عينه ينطبق على منطقة رأس الخير الصناعية المتخصصة بالصناعات التعدينية والمرتبطة بالجبيل الصناعية.
أجزم أن إنشاء غرف صناعية مستقلة من أهم متطلبات المدن الصناعية؛ الداعم الأكبر لتحقيق أهداف الرؤية الوطنية في جانبها الصناعي. تنتشر في بعض الدول العربية والأجنبية الغرف الصناعية المتخصصة لكل صناعة على حدة؛ لضمان توفير الدعم الأمثل لتلك الصناعات. قد لا يكون ذلك النموذج مناسباً للتطبيق محلياً؛ بقدر أهمية إنشاء غرف صناعية شاملة ولنبدأ في إنشائها في المدن الصناعية الكبرى التي تفتقر وجودها حالياً؛ وفي مقدمها مدينة الجبيل الصناعية.
تحقيق أهداف رؤية المملكة في جانبي التنوع الإقتصادي؛ والتوسع في قطاعات الإنتاج الصناعي الضامنين؛ بإذن الله؛ تحقيق الأهداف الموازية الأخرى؛ يستوجب التفكير الجدي في فصل الصناعة عن التجارة وإنشاء غرف صناعية متخصصة في المدن الصناعية الكبرى؛ وفي مقدمتها مدينة الجبيل الصناعية.