د. محمد عبدالله العوين
لأول مرة منذ زمن طويل ربما يقرب من قرن لم تجتمع كلمة العرب والمسلمين على رؤية واحدة وموقف مصيري مشترك واحد.
أمة عربية وإسلامية مشتتة متفرقة متباعدة متنابذة بين بعض دولها، اشتغلت الدول الاستعمارية الكبرى منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم على تمزيقها واقتسام غنائمها واحتلال بلدانها وإعادة صياغة هوياتها وصناعة انتماءات ولاء وتبعية كثير من شعوبها، وقد ساعد على تحقيق رغبات المستعمر ضعف الشعوب العربية والإسلامية وتخلفها وتفرقها وضعف قياداتها كنهاية طويلة متدرجة للنهضة الإسلامية وبداية قوية متدرجة على ثلاثة قرون من الزمن لنهضة أوروبية مكتسحة تطمح إلى استعادة أمجادها وفرض هيمنتها على العالم كله.
لقد تمزقنا بما فيه الكفاية، واحتلت أوطاننا العربية بما فيه الكفاية، واحترقت كثير من بلداننا في هذا العقد الأخير من الزمن بما فيه الكفاية ؛ فأدرك القائد الفذ المخلص المهموم بسلامة وأمن ونهضة وقوة وطنه، ثم بسلامة وقوة أمته العربية والإسلامية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن الأوضاع العربية التي انحدرت بعد ثورات الخريف العربي الماحقة نهاية 2011م وإلى اليوم وما آلت إليه مصاير ست دول عربية، لا زالت أربع منها مضطربة تعصف بها الفتن والأهواء وتتصارع فيها التيارات والأحزاب والجماعات من كل ملة ونحلة ومذهب وانتماء ؛ أدرك أنه لا مفر من توحيد كلمة العرب والمسلمين ولملمة شتاتهم وبناء وحدة بينهم في المواقف السياسية والعسكرية والاقتصادية ؛ للوقوف في وجه الأخطار المحدقة وقد كشف الأعداء المتربصون بها عن نواياهم فلم يعد يخفى أن ما يحدث اليوم في ديار العرب من قتل وتخريب وتهجير لم يكن ناتجا من اختلاف على طريقة الحكم أو تباين في وجهات النظر على أساليب إدارة أية دولة ؛ بل إن دوافع الإبادة والتدمير والتهجير شعوبية عنصرية طائفية دينية، وإنما تتستر تحت عناوين براقة خادعة، وتستخدم الدين كذبا وزرا كـ « داعش « أو محاربة الطائفية والتكفير تارة أخرى كـ « الحشد الشعبي « أو الممانعة والصمود ومقاومة إسرائيل كما يفعل الحزب الإرهابي « حزب الله « وكما يفعل شقيقه الآخر في اليمن « أنصار الله « الحوثي وكما يتبجح نظام بشار بممانعته ومقاومته وصموده ضد الاحتلال الإسرائيلي ؛ بينما هو أكبر عميل للصهيونية، وكل أولئك العملاء يحتذون ويتوجهون حسب خطاب المعلم الكهنوتي الأكبر القابع في « طهران « وقد خلقت المجوسية الفارسية وعملاؤها ومواليها من خونة العرب الشعوبيين صورة قبيحة مشوهة للإسلام وللعرب بتصويرهما على نحو ما ترتكبه جماعة « داعش « الاستخباراتية من جرائم وحشية، وما يفعله أتباعها الأغرار في كل مكان من تفجير واستهداف للمدنيين في المدن العربية والعالمية.
وأمام هذه الأوضاع المأساوية والنيران الملتهبة التي تحرق أربعة بلدان عربية عقد خادم الحرمين الشريفين - أمده الله بنصره - العزم على توحيد صف العرب والمسلمين ؛ فأصبحت « الرياض « خلال سنة وثلاثة أشهر من استلام الملك سلمان قيادة البلاد عاصمة صناعة القرار العربي والإسلامي ومحط أنظار العالم والعاصمة الأولى في كثرة زوارها من ملوك ورؤساء وقادة الدول العربية والإسلامية والعالمية.
أدرك الملك سلمان ببعد نظره وعمق تجربته السياسية واطلاعه الواسع ومعرفته بتاريخ دول العالم وعلى الأخص تاريخ الشعوب الإسلامية أن الظرف السياسي الصعب المحتدم يحتم ضرورة كسر حالة الجمود بيننا وبين عدد غير قليل من الشعوب الإسلامية بإعادة تنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتقوية روابط الأخوة والتعاون وتوسيع نطاق المنافع المتبادلة معهم ؛ فأصبح قصر اليمامة وقصر الملك الخاص بعرقة مزارين رائعين لما يربو على خمسين زعيما، وتركزت دعوات الملك على زعماء الشعوب المسلمة في أفريقيا أو تلك التي يمثل المسلمون فيها نسبة جيدة، على سبيل المثال السنغال ومالي ونيجيريا وتشاد وغينيا وجيبوتي وجنوب أفريقيا وغيرهم، وزعماء دول آسيا مثل باكستان والهند وتركيا « بين آسيا وأوروبا « وبنغلاديش والمالديف وماليزيا وأندونيسيا وتركمانستان وطاجكستان وأوزباكستان وأذربيجان، وغيرها.
وعلى المستوى العالمي زار الرياض زعماء عالميون ؛ كالرئيس الأمريكي والصيني والكوري الجنوبي والبرازيلي وغيرهم.
وفي كل تلك الزيارات تم توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة، ووصلت قوة العلاقة مع بعض الدول العربية والإسلامية إلى إنشاء مجالس تنسيق، وهي أعلى درجات التعاون بين دولتين.
وقد تجلت ثمرة تنشيط العلاقات وتمتينها مع الدول الإسلامية - مثلا - في التصويت على إدانة إيران وحزب الله بالإرهاب في أثناء انعقاد قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول الشهر الماضي ؛ حيث أجمع خمسون دولة مشاركة في المؤتمر على إدانة إيران، ولا شك أن الدبلوماسية السعودية النشطة والعلاقات الجيدة مع دول العالم الإسلامي عزلت إيران وأخرجتها من المؤتمر تجر أذيال الخيبة.
ولا زالت الرياض تواصل بناء « التحالف العسكري الإسلامي « بانضمام دول جديدة بين وقت وآخر إليه، وقد وصل عدد أعضائه الآن إلى أربعين دولة، ومن المؤمل أن يصل قريبا إلى الخمسين إن شاء الله.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ليس قائدا لوطنه فحسب ؛ بل هو زعيم للأمة العربية والإسلامية ؛ فلم يتصد زعيم من قبله لهذا الدور الوحدوي الذي أنجزه خلال فترة وجيزة، ولم يبن زعيم من قبله تحالفين عسكريين، وكل حالات تجربة الوحدة العربية التي تشكلت من قبل فشلت ولم تعمر أو تنتج واقعا عربيا جديدا مختلفا. فاللهم أيد سلمان بن عبد العزيز بنصرك وأمده بعونك ووفقه لقيادة وطنه وأمته العربية والإسلامية بالتعاون مع إخوانه القادة للخروج بالعرب والمسلمين من بحور الاضطرابات والفتن إلى الأمن والاستقرار والنهضة.