د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** ربطت الدكتور عبدالله اليوسف الشبل علاقة مع الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي جعلت الأخير يستدعيه من مدينته عنيزة إلى الرياض ومن وظيفة مدير معهد إلى عضو هيئة تدريس ثم يترقى الثاني بترقي الأول أمينًا عامًا فوكيلًا تجسرت فيه المسافات الفاصلة بين طباع الرجلين التي قد تبدو للرائي من بعدٍ متباينةً غير أنها - في واقع العمل- متكاملة ؛ فاختلطت شدة التركي بلين الشبل ورسمية ذاك بعفوية هذا فجاء المنتجُ مبنىً جامعيًا هو الأجمل في الرياض موقعًا وتصميمًا ومخارج ومداخل.
**بعد مغادرته الحياة الوظيفية كان الدكتور الشبل مع صاحبكم في سيارته وقال له: إن الدكتور التركي قد أبلغه أنه لم يحرص على انتقاله من عنيزة ليكلفه بالتدريس بل ليعاونه في أعمال الجامعة التي بانت معالم نجومية التركي فيها وقرب وصوله إلى مقعدها الأول، وأثبت الشبل كفاءة نادرةً عززتها علاقاته الوثيقة مع المسؤولين في الديوان الملكي ووزارة المالية حيث مشروع المدينة الجامعية الجديدة هاجسُ الرجلين الدءوبين مثلما الارتقاء بالجامعة التي كانت قبلهما مباني متناثرة بعضها مستأجر تتوزع بين البطحاء والوزير والريل والناصرية بأقسام محدودة وإمكانات متواضعة، والظن أن فترة عملهما معًا كانت الفترة الأهم في تأريخ الجامعة.
**يعي صاحبكم مغادرة الشبل للمعهد العلمي بعنيزة وهو طالب في المرحلة المتوسطة (في حدود عام 1390) ويذكر شكله المختلف وهو يعتمر العقال بينما لا يكاد يجد لابسًا له بين المعلمين والموظفين، وحين انتقل للجامعة ظهر بدونه ولعلها متطلب مفروض حينها، كما يستدعي ذكرى استئذانه كي يزور مكتبته المنزلية في بيته بأحد أحياء عنيزة القريبة من المكتبة العامة (لعله حي الجُديِّدة) ويستفيد منه في بحث طلابي ينظمه المركز الصيفي لرعاية الشباب ذو الخمسين يومًا خلال إجازة الصيف، وموضوعه في ذلك العام : شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان يُطلب منا التحضير للبحث ثم كتابته داخل قاعة اختبار بمراقبين ودونما كتب أو أوراق ويصححه الشيخ محمد العثيمين رحمهما الله، وما يزال معتزًا بخمسة أعوام متتالية حاز فيها المركز الأول ومكافأة «خمس مئة ريال» كل عام.
**يستعيد مرأى مكتبته المنظمة في بيته الطيني بما حوته من كتب وصحف ومجلات، وما قدمه له من إرشادات ومعلومات ؛ ليغيب الكبير في الرياض ويواصل الصغير دراسته في الجامعة بتفوق حتى إذا تخرج فيها حجزت الكلية وثيقته كي يتعين معيدًا بها وهو ما لم يرُقْ له؛ مفضلًا خيارًا آخر لم تتحدد ملامحه في ذهنه حينها وهو معهد الإدارة، وزار الشبلَ في مكتبه بالجامعة طالبًا وساطته كي تخلي الجامعة سبيله فكان له ما أراد، ثم لينشغل كل منهما بحياته وأعماله حتى جمعتهما الأعوام الأخيرة في حيٍ واحد يعمره مجلس الدكتور الشبل «الثلاثائي» إضافة إلى دعوة صاحبكم أستاذَه لبعض المناسبات والجلسات الخاصة.
**عرف الشبل بالطيبة والمروءة والتواضع وحب الخير وخدمة قاصديه حتى إن أحد عارفي فضله يقول : إنه ينظر في عيوننا حين نلتقي به كي يقرأ الخدمة التي نطلبها قبل أن نتفوه بها ولو كان مقصدنا السلام، ويُحكى عن نزاهته بلا مزيد؛ فقد رفض - كما يروي بعض مهندسي الجامعة - كل الإغراءات التي امتدت إليه لتعوضه عن جهده الاستثنائي وقت إنشاء مبنى الجامعة، وفي اليوم الذي أُعفي فيه سارع إلى تسليم سيارته الحكومية، وعاش في منزله دون أن يُرى ذا قصرٍ وخدمٍ ومظاهر، وقد وصف الدكتور عبدالرحمن الشبيلي منهج الشبل العملي بأنه « الإدارة بالأخلاق»، وربما كانت أخلاقه العالية سببًا في نأيه عن الصورة العامة ؛ فلم يُلمع نفسه ولم يسع للحضور الوجاهي.
**كان مرجعًا في التأريخ والأنساب يؤمه الباحثون، كما كان ذا دراية بالطب والأدوية، وسمع صاحبكم من نسب إلى الشيخ محمد العثيمين وصفه له بأنه « نصف طبيب «، كما كان مميزًا في علمه الشرعي التأصيلي وحفظه للقرآن الكريم وإفادته من مدرسة والده الشيخ يوسف الشبل علم الخير في مجتمعه والملازم للعلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي يرحمهم الله.
**كتب عن الراحل الكبير الدكتور عبدالله اليوسف الشبل بما يكفي لحفز تلاميذه وأصدقائه لاستكمال مشروع الكتاب الذي ابتدأوا فكرته قبل سنوات، كما كرمته مدينته عنيزة في مهرجانها الثقافي، وكُرم في مناسبات علمية أخرى لعلها تلتئم جميعها في عمل توثيقي مقروء ومسموع ومرئي يستحقه فقيدنا الغالي، كما تسمية قاعات باسمه في جامعته وشارع في مدينته واستمرار « ثلوثيته» والإفادة من مكتبته؛ فهذا أقل الأقل بحق هذا الرجل الأجل الذي عاش نسيمًا عذبًا بارًا رفيقًا ذا فضل على الكثيرين فغادر مشيعًا بدموعهم ودعواتهم.
** الخلود ذكر.