د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** (تكفون) مفردة فصيحة لم يُقعِّد صاحبكم أصلها «الرجائي» الموظف في اللهجة الدارجة ،وربما اشتقت من الكفاءة؛ فمن يُحَضُ على عمل معين ويتوقع وفاؤه لا بد أن يكون كفؤًا، أو لعلها من الاكتفاء به ثقةً في استجابته أو من سواهما، وأيًا يكن جذرها فالأهم دلالتها في الحضِّ القوي على فعل شيء أو ترك سواه.
(2)
**لم يسأم من صديقه حين ترافقا في الغربة بالرغم من البون الكبير بين اتجاهيهما وسلوكيهما، وعَمر بينهما من الود ما جعلهما يدخلان في حوارات متصلة حول مفاهيم الحياة ولغة المبادئ وانضباط المواقف، ولم يبدُ أن واحدًا منهما سيتغير مثلما لم يبدُ أن صفاءَ القلوب سيناله كدر، وفيما توقف واحدٌ تحرك الآخر من الطرف البوهيمي إلى الضفة الملتزمة، واستمرت العلاقة مثلما ابتدأت؛ فلكلٍ اقتناعاته التي لا يحق لأي منهما رفضُها أو فرضها، وأيقنا أن الاختلاف لوحة جميلة تُقرأُ بأكثر من بيان.
(3)
**لو قسنا المسافة الفاصلة بين طرفي معادلة «الإسلاموية والليبرالية» المتورطة في الأدلجة السياسية والثقافية لوجدناها تتسعُ نظريًّا وتضيق واقعيًّا؛ فبمقدار بشاعة التشاتم بين الفريقين عبر الوسائط الرقمية فإن جلوس متطرفيهما معًا كفيل بلجم زيغ المفردات وضغائن النفوس ولغة التهديد، وبالمقياس المقرِّب فإن لاعبي الكرة وجماهيرَها يتقاذفون الكرْه مع الكرةِ ثم يتبادلون العناق حين تكتمل الأشواط، وفي المنزل الواحد يلتقي المتناوئون فيشتد خصامهم ساعةً من زمن ويسود صفاؤهم بقية الساعات.
**مررنا بمرحلة صراع (الصحوة - الحداثة) بكل أوزارها فتدابر الخصمان عقدين عصيبين، ورحل كثيرون وفي نفوسهم حسرات، وليتهم علموا أن ما أرهقنا به نزاعُهم قد انتهى وئامًا لولا أن دخلنا معركةً أخرى تبدل فرسانها، وبينما كان الأدب الموشى بالدين محرك الاختلاف صار الدينُ المؤطربالثقافة مفجر الخلاف، وفي حين اقتصر التدابر الصحوي - الحداثوي على ذوي الشأن من المختصين والجماهير تتفرج عليهم تابعةً ومتابِعة صار من يعرف الأبجدية ذا عنوان فقادوا المشهد الانفصالي بين مكونات المجتمع «الإسلاموي - الليبرالي» دون أن يحملوا فكر الكبار.
**تساوى الغارب بالسنام، وتوارى العقل أو تضاءل دور العقلاء، وأوشكنا أن نرى ضرامًا تحت قضايا تفصيليةٍ سيؤول مشعلوها إلى ما آل إليه الصحويون والحداثويون في أوراق التأريخ العابر أو الغابر، والمركب الذي يضمنا لن يختار بعضنا ليبحر بهم وبقيتنا ليُغرقهم، وابتسارُ الأخبار وتوجيهها والعبث بمدلولاتها لتأليب فئامٍ على فئام، والصمتُ المقابل من ذوي الرأي والحكمة ستكون له نتائجُ أقسى مما شهدناه في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية.
**«تكفون» ارحمونا من ادعاء الحرص على الوطن و «فكونا» من حرابكم وتحاربكم؛ فالسفينة لن ترسوَ في موانئِ من يُحرض ذويه لاحتضار بني أبيه.
(4)
** التحضيض يضادُّ التحريض.