د. خيرية السقاف
أذنت «رؤية 2030» للتفاصيل الصغيرة أن تطفو..
تخرج من كمون مخابئها للسطح..
لا لتعم فوضى تشتت الأذهان, وترهق القوى, بل لأخذها لغربال النفض, والفصل, والإبقاء، والنفي..
فعادة توضع الأشياء الصغيرة الدقيقة في الغربال لتُنْخَل, التي لا طائل منها، التي تؤكل فتُمْرِض, أو تترسب فتؤذي, أو تقضم فتضر,.. ليستوي الباقي نقيا منها, خاليا من بقاياها،
قابلا للاستعمال بثقة..
هكذا أباحت لهذه التفاصيل الصغيرة «رؤية 2030» على صعد التعليمي، الإعلامي, المالي, التجاري, التنفيذي, العمّالي, الثقافي أن توضع في الغربال..
أن يهزَّه المجتهدون الفاعلون, الواثقون في قدراتهم لخض الغربال ونسف ما فيه من الزوائد, والخشاش..
المتمكنون من نواياهم نفض الغربال، وفصل الجيد عن الرديء, والإبقاء على الجيد ونفي الرديء..
ورفع الناتج في عين الشمس نظيفاً قابلاً للبقاء, ومن ثم إنمائه وإكثاره..
التفاصيل الصغيرة التي تقول في جانب مكانة هذه البلاد حضاريا أنها بلد «العربية»، اللغة الأم الشامخة, اللغة الناطق بها الآي الحكيم، التي تخيرها الله من بين لغات علمها خلقه ليكون بها معجز دستور هذه الأمة, فلا تتقدمها لغة لا في كتاب, ولا في لسان، ولا في إعلان, ولا في مُنتج،..
ولقد أذنت «رؤية 2030» للنظر في الغربال، لتُرى التفاصيل الصغيرة وقد تغلبت, وقد آن أن يخض هذا الغربال لتنسف الألفاظ الأجنبية التي وظِّفت لها حروف العربية مخدوشة خجلة مألومة مدحورة وهي العزيزة الآنفة الأبية الشامخة، بينما تُلوى ألسنة أهلها بغيرها فيُضحكون ويُبكون، يتصدرون بغيرها علاماتهم التجارية، ونشاطهم التسويقي المختلف، ومرافقهم العلمية, وحواراتهم باختلافها في منابرهم العلمية، والفكرية, والثقافية, والإعلامية, بل في مسميات شركاتهم ومشاريعهم الغالبية.. وقد كتبت في هذا مرات، ومرات ولا من يصغي، أو من يستجيب..!!
الطامة الكبرى أن سقطت في الغربال مؤخراً شركة «الخطوط السعودية» وهي تطلق على شركتها الابنة الوليدة وسماً أجنبياً «آديل»..
ومع كل ما تم الإعلان عنه, والحديث فيه بشأن طموح هذه «الأديل», وأهدافها, وتيسيرها، و»شبابيتها», وسرعة خدمتها للفئات المختلفة، وتمكينها حركة ملاحة جوية بطرق تتوافق وملاءمة العصر من السرعة، والاستجابة لتلبية مختلف الحاجات إلا أنها باسمها المختار.
«أديل» لن تكون إلا نشازاً في وطن العربية، لغة القرآن، والأمة، والتاريخ والسنة، ما لم تتدارك الخطوط الأمر، وتختار لها اسماً عربياً يليق بهذا الوطن العربي الأصيل، لأن معين العربية ثر, وأبجديتها ندية، وقدراتها شاسعة, ووعاءها يتسع لكل الدلالات، والأغراض، والغايات، فلئن حملت مقاصد السماء, ورسالتها، أو تعجز أن تحمل مقصد شركة الطيران السعودية العربية..؟!, ولنتخيل شركة أجنبية سوف تنشئ شركة وليدة عنها, هل سوف ستذهب لاختيار اسم عربي لها, أو بلغة دولة أخرى عنها؟ علماً بأن لغات العالم توسم بمناطقها ودولها, أما العربية فلغة أمم, أصيلة ممتدة لا تنافسها تاريخَها ومكانتها أية لغة أخرى..؟!
ولأن الغربال الذي أذنت «رؤية 2030» قد وضعه سمو ولي ولي العهد لشفافية الطرح، وبشفافية القول، فإنني أهيب بسموه توجيه الخطوط السعودية لتعريب اسم خطوطها الوليدة, في أول تنقية هدفها نبذ البقايا غير المجدية في خليط الغربال. ولعل الجميع أن يأخذ بكل خليط نحو الغربال لتنقية التفاصيل الصغيرة,، التي قد لا تكون مجدية في مسيرة تحول نتطلع لنموذجيته ونعمل معا لأهدافه.
***
الموضوع بين يدي القيادي الشاب ولي ولي العهد محمد بن سلمان, من له التحية الخالصة فهو من عصف بأفكار الجميع, وحرض فيهم هممهم, وبث بين أيديهم تفاصيل كثيرة لواجهة النور..
وأذن للغربال أن يفغر فمه للتفاصيل.. وللجميع أن يسهم في فصل الجيد فيه من التفاصيل عما سواه.