د. خيرية السقاف
مدى البصر مشرع لعين الإنسان أن ترى..
لا حواجز تصد رؤيتها إلا ما كان من طبيعة ارتفاع جبل, وكثافة شجر,
وعتمة سحب, وهجمة غبار..
فحكمة الله في خلقه أن جعل مجال البصر جلياً, واسعاً..
فكانت الرؤية جلية, والرؤى فائقة, والإنسان عبقرياً صانعاً مبتكراً مؤسساً لحضارات لا يزال البشر غير قادرين على التفوق عنها..!
ولأن الإنسان هو من يقيم أمام العين سدوده, وأبوابه, وقيوده وقد فعل,
انزوت سماؤه في مدى سقوف إسمنتية ضيقة, وعند مقابض أبواب حديدة عتية, وحدَّ أسوار جدارية صلبة..
الإنسان من مُنح حرية التفكير, ومشيئة الإنجاز في الحياة، بتسخير مقدرات الأرض له, سعى في التضييق على نفسه,
حجب الفسحة عن عينيه, حتى تمادى به هذا الضيق, فضاقت به نفسه على نفسه, وتحجمت إرادته في غاياته الذاتية, وأصبح مدى إبصاره, ومكنون رؤيته, ومجال روآه لا يدور إلا في منافعه الخاصة, ومصالحه الفردية بضيق ما صنع, في حدود ما يتحرك..
سرى هذا من الفرد للأفراد, ومن المجموعة للجماعات, ومن الأسرة للقبيلة, ومن القبيلة للمنطقة,
واتسع فشمل في كونية الحدود, تلك الجغرافية التي ضربتها التقسيمات السياسية بين شعوب وأمم العالم, فقلصتها هويات جوازات السفر, وبطاقات الجنسية بين البشر..
الإنسان وحده من أعجز البصرَ بتقييد النظرِ...!!
الذي ضيَّق الدنيا على نفسه حتى جعلها في كفِّه حدَّ شاشة هاتفه..
وجهاز خدماته الإلكترونية..
ثم يسأل بجرأة الغافل, أو المتغافل:
لماذا يضيق به صدره, وتشيع به وحشته, وهو في داره بين أهله..؟!
إن الإنسان سجين رغباته, وإرادته, واختياراته..
لا يشرع النوافذ لمدى البصر دون حواجز يقيمها, وجدر يعليها, وأبواب يرسيها..
مع أن الهواء مشاع, والسماء شاسعة..
والشمس آية واحدة تأتي من الشرق, وتتلاشى في الغرب..!
وكل ما خلق الله في نواميسه بانتظام..
والمدافن في انتظار..!!