جاسر عبدالعزيز الجاسر
إدمان النفط، تشخيص مطابق للحالة التي تلبستنا نحن أبناء المملكة ودول الخليج العربي.
هذا التشخص الذي كشفه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أثناء حديثه لشرح مبادرة صنع المستقبل للمنطقة، وليس المملكة العربية السعودية فحسب، إذ كان موفقاً جداً في الحديث عن الإدمان الذي أصابنا وأصاب شعوب إقليم الخليج العربي، الذي لم يكن أحد يتجرأ للحديث عن التشوهات التي أحدثتها الطفرة النفطية في مجتمعاتنا.
نعم صحيح أن اكتشاف النفط ساهم في تطوير الإقليم العربي في الخليج، خاصة وأن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية استثمرت إيراداته في تنمية الإنسان أولاً، ورفعت من مستويات خدمات الصحة والتعليم والدفاع والأمن والخدمات الاجتماعية ولم تبذر الإيرادات في شن الحروب وإثارة القلاقل والانغماس في المؤامرات وتصدير الفوضى للآخرين، وكل هذا -والحمد لله- واضح ويدعو المواطن السعودي والخليجي أن يفخر بما تحقق من إنجازات تنموية، إلا أنه وفي المقابل أحدث تشوهات سلوكية في مجتمعنا والمجتمعات الخليجية الأخرى، حولها من مجتمعات منتجة وفاعلة إلى مجتمعات استهلاكية وكسولة إلى حد ما.
قد لا يتذكر الجيل الجديد من الشباب الذين تنعموا بخيرات النفط، وتحولوا من مستقبلين لما تضخه إيرادات النفط من منتجين كآبائهم وأجدادهم إلى متلقين ليتحول المجتمع كما الدولة إلى جهات رعوية جعلت قوى الإنتاج تتخلى عن دورها الحقيقي، واتجهت إلى الخمول والكسل اعتماداً على تلقي المساعدات والهبات، وبعد أن كان آباؤنا وأجدادنا ينتجون كل ما يحتاجون إليه ويتجهون للعمل داخل البلاد وخارجها، أصبحنا نستورد كل شيء تقريباً، وبدأنا نعتمد في توفير غذائنا، بل حتى في توفير الخدمات بمنازلنا على غيرنا.
قبل استكشاف النفط وحتى قبل ثلاثين عاماً لم تكن بلادنا مسرحاً لكل هذه الجيوش من الوافدين والعمالة التي تتعلم وتتدرب في مرافقنا، لم تكن المنازل بحاجة إلى خادمات التي أصبحت في كثير من المنازل عنواناً للأبهة والتفاخر حتى أن بعض البيوت توجد فيها خادمة لكل فتاة في المنزل، وتحرص سيدة المنزل على اصطحاب (الشغالة) لحمل أدوات التجميل وحقيبة اليد.
أبناؤنا يتناولون وجبات العشاء والغداء في مطاعم الوجبات السريعة، ومكاتبنا ينظفها ويخدم بها عمال مستقدمون من آسيا وأفريقيا، فيما يحرص شبابنا على وجود مكتب وثير وسكرتير يقوم بالعمل نيابة عنه، فيما اعتمد من حباه الله بنعمة الثراء على الأجانب لإدارة أعمالهم، مشاركاً وحتى مغطى بالتستر ليساعد على نهب ثروة البلد.
شبابنا يتسكعون في المقاهي والأسواق ولا يحبذون العمل، يشكون البطالة رغم فرص العمل والتدريب، ولأنهم غير منتجين فإن أصحاب العمل يفضلون الأجنبي عليهم، وهؤلاء الشباب الذين يريدون كل شيء دون أن يبذلوا شيئاً لا يعلمون كم عانى آباؤنا وأجدادنا وكافحوا من أجل توفير لقمة العيش الكريم.
كان أبناء المملكة منتشرين في دول الخليج وسوريا والعراق وحتى مصر وفلسطين يعملون في التجارة والأعمال الشاقة، ولم يتأففوا أو يستنكروا العمل الشريف.
ألم يقرأ شباب اليوم تجربة العقيلات وكيف طوروا مواردهم في مبادرة كشفت عن عبقرية الفكر السعودي.
اليوم يقدح الفكر السعودي من جديد في مبادرة تستهدف أولاً وقبل كل شيء معالجة تشوهات الطفرة النفطية، إذ إن السعودية الجديدة ومن خلال مبادرة الرؤية السعودية 2030 تستهدف أولاً تحويلنا إلى مجتمع منتج ونافع وليس البقاء مجتمعاً متلقياً للمساعدات، إذ إن الهدف من وراء تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على إيرادات النفط، تشغيل الطاقات الكامنة للسعوديين الذين استطاعوا أن يقيموا دولة وأهم كيان إسلامي وعربي قبل اكتشاف النفط وهم قادرون أن يعيدوا بل ويرفعوا كثيراً من شأنهم وشأن العرب والمسلمين.
نعم نستطيع أن نحقق الكثير من خلال الأفكار الرائدة التي تضمنتها رؤية السعودية 2030.