محمد سليمان العنقري
جاء في مضامين الرؤية المستقبلية 2030م التي اعتمدت من مجلس الوزراء الموقر أنها تبدأ من المجتمع وإليه تنتهي في إشارة كبيرة للدور الشامل للمجتمع في تنفيذها فهو المتأثر الوحيد بها ونجاحها يعتمد على فهمه للرؤية بأبعادها وكذلك المسؤوليات التي تقع على عاتقها بترجمتها لتكون واقعاً وكلمة مجتمع تعني كل أطيافه كجهات حكومية وقطاع خاص ومواطنين وهم العمود الفقري لها فأفراد المجتمع هم مؤثر ومتأثر بحكم الأدوار المتعددة لهم كموظفين حكوميين عليهم دور كبير بتنفيذ خطط ومهام الجهاز الذي يعملون به وكذلك كمستثمرين يحركون القطاع الخاص او عاملين فيه وأيضاً الشباب من الجنسين كطلاب علم عليهم اختيار توجهاتهم التي ترتقي بمهاراتهم ومواهبهم حتى توظف في الاقتصاد الوطني وترفع من إنتاجيتهم ودورهم ببناء الاقتصاد المحلي.
فمن هذه المعطيات تظهر أهمية الإدراك الكامل للرؤية على كافة الأصعدة ومختلف شرائح المجتمع وهو ما يعني ضرورة وضع خطة متكاملة لشرح أبعاد الرؤية ووضع كتيبات بمثابة دليل إرشادي للموظفين الحكوميين بحسب المسؤوليات التي تخص كل جهاز حكومي بتنفيذ الرؤية مع استخدام كافة الأساليب التي توفر أكبر فهم للرؤية لديهم ومعرفة بالأدوار والمهام والأمر ذاته ينطبق على القطاع الخاص وأيضاً الأفراد من طلاب بمختلف المراحل التعليمية، فالإدراك والفهم الواسع لتوجهات الرؤية سيساعد على تفعيل دور مكونات المجتمع لإنجاحها حسب ما هو مطلوب منهم.
فالتوجهات القادمة بالاقتصاد تختلف عن السابق كثيرا فالتنافسية والتحديات داخل الاقتصاد سترتفع إذ لن يكون القطاع الخاص كما السابق يبني تصوره للنجاح من خلال الرعاية الحكومية الواسعة بالدعم والتحفيز من خلال الإنفاق الواسع على المشاريع أو دعم الطاقة وبالمقابل فإن الفرص ستتوسع لدور القطاع الخاص من حيث الاستثمار والاستفادة من برنامج التخصيص وكذلك الانفتاح الاقتصادي وتنشيط قطاعات عديدة لزيادة الفرص الاستثمارية وإزالة الكثير من العقبات التي تواجه المستثمرين على اعتبار أن الدور الحكومي سيتركز بنسبة كبير بالإشراف والتنظيم والرقابة وتيسير الأعمال للقطاع الخاص مما يتطلب تحركاً كبيراً نحو تغيير مفاهيم راسخة بطرق الاستثمار والتشغيل ودراسات الجدوى لتكون مواكبة للمرحلة القادمة حتى ترتفع مستويات التنافسية مع زيادة بالإنتاج والارتقاء بالجودة.
أما الأفراد فهم من سيلعبون العديد من الأدوار بالرؤية، فالموظف منهم سواء بالقطاع العام والخاص عليه مسؤوليات كبيرة بحسب موقعه ومهامه يجب أن يلتزم بتنفيذها لكي تكون أهداف الرؤية قابلة للتحقيق، إلا أن أهم عاملين بأدوار الأفراد يتمثلان باختياره المناسب لتخصصه العلمي والمهني وأيضاً الحرص على اكتساب المهارات المطلوبة لكي يكون جاهزاً للفرص التي ستتاح والعامل الآخر هو الانتباه إلى أن الرؤية ستركز على رفع دور القطاع الخاص بالناتج المحلي ليصل من نسبة تقل عن 40 % برفعها إلى حوالي 65 %، وسيكون للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الدور الأبرز بتعظيم دور القطاع الخاص ليصل تأثيرها إلى 35 % من الناتج المحلي، حيث لا تتعدى نسبة تأثيرها 20 % حالياً وذلك عبر دعمها بالتمويل وربطها بكيانات كبيرة تعتمد عليها بتوفير ما تحتاجه من سلع وخدمات بدلاً من الاستيراد الكبير القائم حالياً.
فمن الواضح أن الرؤية ستركز على التأهيل لأفراد المجتمع وستوفر لهم التمويل والفرص وسبل النجاح بالأنظمة والتشريعات ومختلف الجوانب التي توفر بيئة صحية للنهوض بقطاع ريادة الأعمال أي أن العدالة بتوزيع الثروة سيكون لتوجهات دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة أحد أهم العوامل التي ترتكز عليها الرؤية لتحقيق هذا الهدف وبمعنى أبسط إيصال التمويل وفتح الفرص لمن استعد لها بالتأهيل المناسب والدراسة الوافية لمشروعه الخاص، فالتعليم والتدريب بالمملكة يستحوذ على النصيب الأكبر من الإنفاق العام، ولابد أن يثمر بنهاية المطاف برفع كفاءة استخدام الموارد البشرية بأي مكان أو فرصة تعمل بها وإعطاء دور كبير للفرد بالتحرك بمرونة وأريحية في توجهاته بسوق العمل سواء بفرص التوظيف أو الاستثمار وريادة الأعمال.
إلا أن الجانب الأكبر من التنفيذ سيكون على عاتق الأجهزة الحكومية وتحديداً بالسنوات الخمس الأولى لأنها ستتضمن بداية التغيير بهيكلية أعمالها وأدوارها التي حددت بناء على خطط كل جهاز حكومي ودوره بالرؤية المستقبلية فالبداية بهذا التوجه الكبير نحو تنمية مستدامة واقتصاد مرن ونشط تبدأ من الأجهزة الحكومية وتغيير أدوراها ومهامها، فالمؤشر العالمي للحكومات الفاعلة بحسب ما ذكر بالرؤية صنفنا عند المرتبة 80 عالمياً والهدف من الرؤية أن نصل إلى المركز 20 عالمياً بعد 15 عاماً وهو تحدي كبير ويتطلب جهداً ضخماً لتحقيقه لأنه سينعكس على الوصول إلى المرتبة 15 عالمياً من حيث قوة وحجم الاقتصاد عالمياً بدلاً من ترتيبنا الحالي عند 19 عالمياً فالدول الأخرى تنمو وتزيد بتنافسيتها وتحقيقنا للمركز المستهدف ليس على أساس ثبات حجم الدول الأخرى بناتجها الإجمالي، بل على تغير به مما يتطلب جهداً مضاعفاً للوصول للأرقام المستهدفة لا يحتمل أخطاء أو قصور جوهري لأن التبعات والتكاليف لإصلاحها سترتفع وستزداد الصعوبات للوصول بالتنمية الشاملة والنمو المستهدف نحو الآفاق والطموحات التي وضعت بالرؤية 2030م.
عاملين رئيسين سيكونان جوهر وسر نجاح الرؤية الإدراك والوعي الكامل والواسع للمجتمع بها وأيضا التنفيذ الذي لا يستثني دوراً لجهاز حكومي أو منشآت خاصة أو الفرد، فالوصول لاقتصاد قوي لن يتحقق بوصفة سحرية والرؤية ليست من قبيل هذه الوصفات ولذلك فإن اعتمادها ماهو إلا بداية لرحلة مليئة بالتحديات والصعوبات والمسؤوليات والمهام، والتكاتف وبذل الجهد المطلوب لنجاحها قد يعادل في حجمه ما بذل منذ إطلاق أول خطة تنمية قبل 46 سنة إلى وقتنا الحاضر، ويبقى لقدرة الأجهزة الحكومية على تنفيذ المطلوب منها بالسنوات الأولى المحدد الرئيس لترجمة الرؤية إلى واقع والذي لن يكون فعالاً إلا بمعايير جودة وتقييم ورقابة من مختلف الجهات وأطراف المجتمع المعنية ومحاسبة عالية وشفافة.