سعد بن عبدالقادر القويعي
بعد معاناة طويلة مع المرض، رحل عن دنيانا رمز من رموز الحركة التاريخية، والثقافية، والأدبية على مستوى المملكة، بعد أن أثرى المكتبة العربية، والإسلامية بمؤلفاته القيمة التي تعد منارة على طريق العلم، وتبديد الضباب الكثيف الذي يثيره خصوم الإسلام، -إضافة- إلى مشاركاته الفاعلة بالعديد من المقالات، والبحوث، والخواطر التي كتبها في الصحف المحلية، وإلقائه عددا من المحاضرات، والندوات في مناسبات ثقافية مختلفة.
لم يكن عالما يطلب الشهرة، أو الأضواء، بل عمل على تكريس حياته للعمل لما يقارب ثلاثين عاماً أميناً عاماً لجائزة الملك فيصل العالمية، وعضواً في مجلس الشورى لمدة عشرة أعوام، وأمضى في التدريس الجامعي ثمانية وعشرين عاماً. -ولذا- فإنني أحسبه والله حسيبه، من أناس قلة في تواضعه، ودماثة أخلاقه؛ فقد كان صاحب كلمة متزنة، ذا ورع، وحيطة؛ ليصبح أيقونة نادرة، تميز حضوره في المنتديات، والملتقيات الفكرية، والثقافية، والأدبية.
هو أحد الفاعلين في الحركة العلمية، والتاريخية ممن انتفعت به البلاد، واستفاد من علمه الحاضر، والباد. وهو صاحب المؤلفات الوافرة، والتصانيف المتكاثرة؛ ليستحق بشهادة المنصفين لقب: المحدث الشهير، والعلامة النحرير، ذو القلم المسدد، والمنهج السلفي في سائر الأنحاء، والأرجاء، المتصف بخصال البر، ودلالات الذكاء، الذي امتلأ به السحر، والنحر، والسهل، والقفر.
لا زلت أتذكر مناسبة إعلان أسماء الفائزين بـ»جائزة الملك فيصل العالمية» -في دورتها الأخيرة-، عندما وقف -الأمير- خالد الفيصل، ودعا جميع الحضور للوقوف؛ تقديراً -للدكتور- عبدالله العثيمين -رحمه الله-، قائلاً: «أود أن أتذكر بكل احترام، وتقدير، وشكر منقطع النظير لزميلي، بل ولأستاذي -الدكتور- عبدالله العثيمين -الأمين السابق لهذه الجائزة-، ولا أقلّ من أن نقف جميعا -اليوم- احتراما له، وتقديرا له، داعياً له بالشفاء العاجل»؛ فكان بحق نجم الساحة الأدبية، والثقافية بكتاباته، ومشاركاته الخيرية العميقة، وحضوره في المناسبات الثقافية مشاركاً، ومناقشًا، ومبشراً.
ستلهج الألسن بالدعاء له، وستبكي العيون على فراقه، وسيتسابق الناس في تعداد مآثره؛ فاللهم ارحم ذاك العلم الجهبذ الذي كان منارة علم بتوفيق الله -تعالى-، وارفع درجته في عليين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واجعل له لسان ذكر في الآخرين، وارحمه رحمةَ الأبرار، ووسَّع له في قبره، وأنره، وارفع منزلته في دار القرار.