سعد بن عبدالقادر القويعي
أكتب هذه المقالة في وقت ما زال ضحايا قوات الميليشيات العراقية من أهالي الفلوجة في زيادة كل يوم، فمع دخول الحصار عامه الثاني، ناشد أهالي الفلوجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المنظمات الدولية رفع الحصار عنهم، حيث تقدر أعداد المدنيين العالقين في الفلوجة بنحو مئة ألف، جلهم من الأطفال، والنساء، والعجزة. ويأبى الواقع -مع الأسف- إلا أن يكرر مآسي الحروب، وتعلو شعارات الحرب، والقتل على منطق العقل، والحكمة.
عديدة هي التقارير الحقوقية التي رصدت ما تعرض له المدنيون في الفلوجة، من أوضاع إنسانية متفاقمة، وهجمات من أطراف الصراع المشبوهة في البلاد. -وأخشى ما أخشاه- أن تكون المدينة «مضايا» ثانية، إذا استمر الحصار لفترة أطول، كون حصار الميليشيات الشيعية، والقوات العراقية لمدينة الفلوجة السنية، يأتي متزامنا مع عمليات تصفية ترتكبها الميليشيات الشيعية بحق أهل السنة في المناطق المحررة من قبضة داعش، كمدينة بيجي، والرمادي، وحتى المناطق المختلطة كمحافظة ديالى.
كان الضمير نائماً كالعادة، والفلوجة تقتات من أوجاعها؛ ليعلو صوت المعركة في كل أنحاء الفلوجة، حيث تسيل الدماء. وربما إن أردنا أن نتحدث عن مأساة هذه المدينة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، عندما قصفت القوات -الأمريكية البريطانية- المشتركة بعد عام ؟؟؟؟ م هذه المدينة، وبأسلحة بعضها محرم دولياً. وعندما تعود الفلوجة إلى واجهة الأحداث -مرة أخرى-، فإنها تحتاج هذه المرة إلى وقفة؛ للبحث عن أسباب حقيقة معركة الفلوجة التاريخية، وأسرارها، والتي تتكشف يوما بعد يوم، -وخصوصا- ممن حضرها، وعرف خباياها الداخلية.
بعيدا عن الأنظار هناك، وما تقوله الوقائع على الأرض، حيث يقتل الأطفال، والشيوخ، والنساء؛ لتعود بنا الذاكرة نحو مأساة الفلوجة -قبل عقد من الزمن-، وما يحصل فيها من جرائم ضد الإنسانية؛ لأن القائمين على هذا التحشيد، وضد هذه المدينة -بالذات-، يدركون جيدًا قيمتها، ورمزيتها، وهذا يعني تقسيما إداريا جديدا على أساس مذهبي، يخشى معه أن يدخل العراق في نفق لا خروج منه؛ هدفه تكريس الطائفية، والمذهبية. والواقع التقسيمي القادم في العراق يشهد لذلك؛ ولتكون المطية الأولى للمشروع السياسي -الأمريكي الإيراني- في العراق.
أمام هذا الوضع الإنساني المتفاقم، فإن فتح تحقيق دولي؛ لمعرفة أسباب الصمت المطبق من قبل الجهات الأممية في العراق، وممثليتها، بعد أن بقيت صامتة حيال تلك الجرائم الكبرى، والتي اقترفتها واشنطن، ولندن في العراق، أو الجرائم التي قامت بها ميليشيات الإرهاب الإيرانية، سيسهم في نقل الحقائق، وتعريف الناس بما يجري حولهم، حتى وإن وقفنا حائرين بين المعاناة الإنسانية التي يعاني منها الضحايا، وبين صدمة الأرقام المخيفة، والتقارير المختلفة التي تتحدث عن كارثة يُراد أن يُغض الطرف عنها.