د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
شرعتُ في كتابة المقال تيمنا بقول الشاعر,,,
ألا من مبلغ الأحلاف عني
فقد تُهدى النصيحة للنصيحِ
وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تُحمدي أو تستريحي
ونحن اليوم من ذلك المنطلق الذي أوجزه الشاعر؛ نتقدم دائما إلى المألوف الذي دجّنه تكرار المواقف؛ حتى بدا لنا وكأن الحياة اليوم لا يوجد عائق حيال الاستمتاع بها سوى تحديد الوجهة أو الطريق؛ فالصعود للأعلى حتما يكون نابعا من الداخل؛ وملامح النضج؛ لابد أن تكون أكثر شمولية؛ والتجلي العقلي مهارة عالية؛ ومراجعة حكيمة للتوقعات؛ وأسلوب التلقي عبر الأثير؛ قدرة أيضا على الاستمتاع بضوء النهار قبل أن تخيم العتمة؛ «ولا يُرى إلا مساكنهم».
وإذا ما رغبنا في رسم خريطة المستقبل والحياة؛ خاصة في الارتباطات التي تكمن تشريعاتها في الأعلى؛ ثم يحملها الناقلون لذاك التشريع إلى المنفذين له؛ ومن ثمّ المستفيدين منه؛ فإن المتخيّل المتوقع أن الأغصان تزهر في منعرجات الطريق وثناياه؛ وتمتلئ الأحاسيس بالإثارات التي تبشر بالقادم؛ وتحمل أنباء الامتلاءات العائدة بكل تفاصيلها، عند ذاك ينبغي أن تكون المستويات الممكنة للولوج إلى مسطحات النماء ومفاوزه؛ تمثّل تكافؤا ممكنا، وأصداء متناغمة بين الراوي والمروي عنه؛ وبين الباحثين ومضامين أُطروحاتهم، وبين صانعي المنتجات وبيئات المستهلكين، والأهم بين صانعي الفكر ومتطلبات الفئات المحيطة, والتكافؤ بين مفاصل الإنتاج ذي الدائرة الواحدة, وكون المنتج غير قابل للانفصال تنفيذيا؛ وأخيراً التكافؤ بين القدرة على صنع القرارات، والشجاعة على إصدارها، والقوة في تنفيذها.
وحتما ويقينا تكون الأهداف صحيحة عندما لا تكون مضمارا للتمارين والتأويلات؛ حتى لا تصبح أقل تركيزا واستهدافا؛ وتتحول إلى صياغة مفاهيم فقط تعيش خارج نطاقات التنفيذ ويعتبر بناء الأهداف؛ وتحديد المسارات من حذق الصنعة وفهم الصناعة؛ ودفع للعثرات؛ وعتق من الاضطراب.
ودائما ما يطالعنا علم الإدارة الحديث بالقطبين الحاملين للأهداف، الرؤية والرسالة؛ ولزاما أن يتحرك كل منهما لملاقاة الآخر من خلال محمولات النقل, ومسارات التنفيذ، ولا بدّ من وجود أصل يُقاس عليه، وفرع يُقاس، وقواسم مشتركة، أو علة جامعة، ثم حكم للاحتكام إليه.
ولقد حفظت لنا العقيدة الإسلامية نماذج تحتذى في تحديد ورسم المسارات والأهداف؛ قال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} (11 سورة الأعراف).
وقوله صلوات الله وسلامه عليه لعبد الرحمن بن عوف عندما أرسله في غزوة (اغزوا جميعا في سبيل الله؛ فقاتلوا من كفر بالله، ولا تغلوا, ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد الله، وسيرة نبيه فيكم) رواه أحمد في مسنده.
نعم إن الأهداف الملأى بما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ تبدأ من سقي أخضر، ومثالية إنسان، قوة في الحجة، فيغدو المستهدف عبقريا تتجاوب عنده أصداء النجاح، وتتآلف القلوب قال تعالى {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} (سورة البقرة آية 60) فالمقاصد الصحيحة, والأهداف الحرة هي التي يشعر الإنسان كلما أراد أن ينصب نفسه عليها بأنها أحق منه بالتنصيب؛ فنحن أمام عمليات تأسيس أصول محددة لقضايا شاملة يشدّ بعضها بعضا, وفي فضاءات الأهداف الصحيحة يتعسكر الوعي, وينضبط الواقع ويستجيب للقوانين, وتستزرع المشاريع الإيجابية، ولا تمتهن الجهود الإنسانية الوافرة، وما دون ذلك فكل يّدعي وصلا بليلى وبدون أهداف ومسارات واضحة ندرك أن ليلى لن تقر لهم بذاك؟!!