عبدالحميد جابر الحمادي
عظيم ذلك الإنسان الذي يرحل عن الدنيا، ويترك وراءه الناس يتحدثون عن إنجازاته وأعماله ومهامه وبراعته ومـواقفه النادرة والمشرفة والصادقة، لأن اهتمام الناس بتاريخك حال غيابك لهو أكبر دليل على نجاحك وتفوقك وبراعتك وتميزك، وهي الشهادة التي تبقى للأبد، والمجدون والمخلصون والصابرون في أعمالهم ومهامهم تتوج جهودهم وأدوارهم بالمحبة والعرفان والتقدير والإشادة في قلوب الآخرين (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا) وكما قال المتنبئ:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
الأمير سعود الفيصل رحمه الله، سيد الدبلوماسية وأميرها، ساهم وشارك في قيادة وإنجاز العديد من القضايا المحلية والإقليمية والدولية برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة، ففي البرنامج الذي عرضه التلفزيون السعودي منذ أيام بعنوان «رجل هو التاريخ» واستضاف عددا من الشخصيات الدبلوماسية والسفراء والمسئولين والكتاب ورؤساء تحرير بعض الصحف أجمعوا على براعة وجدية وتميز الأمير الراحل ومدى تأثيره الكبير والقوي في القضايا التي تعرضت لها المنطقة وخاصة في فترة التحولات السياسية (ثورة الخميني، القضية الفلسطينية، الحرب الأهلية في لبنان واتفاق الطائف، حرب الخليج الأولى، حرب الخليج الثانية، أحداث سبتمبر، الأزمة السورية، الأزمة الليبية، الأزمة اليمنية ..) وغيرها من القضايا والتحديات التي مرت فيها المنطقة.
إن السمات والخصائص التي اتصف بها الأمير سعود رحمه الله من الكياسة والذكاء بأنواعه المعرفي والمنطقي واللغوي والبراعة بصنوفها والثقة المتناهية في النفس مع ما صاحبه من ثقافة واسعة وطلاقة لفظية دقيقة وحسن اختيار للعبارات وتوظيفها وقدرة استثنائية على التركيز جعلت منه أسطورة سياسية خالدة، إن التقدير والمحبة التي يحملها الناس للأمير الراحل شاهدها الجميع في أعداد المغردين لنبأ وفاته وذكر مواقفه البطولية الشجاعة في الأزمات والأحداث التي عصفت بالمنطقة، وإنتاج الفيديوهات المعبرة عن امتنانهم وفخرهم لما قدمه طوال مسيرته السياسية والدبلوماسية.
ويأتي مؤتمر «سعود الأوطان» الذي أفصح عن محاوره أخاه الأمير تركي الفيصل وفقه الله الذي عاصره دبلوماسيا منسجماً مع سياسة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية حول إلقاء الضوء على رجل الدبلوماسية وعميد وزراء خارجية العالم بحكم الفترة التي قضاها وزيراً للخارجية حيث تجاوز 40 عاما.
مؤتمر «سعود الأوطان» وهو الذي يحظى برعاية ملكية من لدن خادم الحرمين الشريفين أمده الله بعونه وتوفيقه، ليس هو من سيخلد ذكرى الأمير سعود الفيصل رغم أهمية وفاعلية ودولية المؤتمر، لأن ذكراه محفورة في وجدان كل مواطن، حيث كان مدرسة في التحمل وإنكار الذات والكفاح والصبر والمثابرة والثقة المتناهية بالنفس والعزة الإسلامية والعربية والوطنية في كل المحافل والمناسبات والأحداث حتى نال وحصد تلك المحبة الشعبية من أبناء الوطن شبابا وشيبا ورجالا ونساء، وكأن الشاعر يعنيه حينما قال:
مسافر أنت والآثار باقية
فاترك وراءك ما تحيي به أثرك
رحم الله الأمير سعود الفيصل .. وعوضنا الله في معالي الأستاذ عادل الجبير خيراً.