وظيفة الوزير كانت منذ القدم موجودة، وبقيت إلى اليوم، وهي مصطلح يعني المؤازرة والتعاضد والمساندة، واتفقت دول العالم كافة، بتثبيت هذا التوصيف والالتزام بإحداث وظائف عليا تحت هذه المسمى، كوزير المال ووزير الخارجية ووزير العمل، وكان ملوك الفرس يعتنون بذلك أشد العناية ويكثرون من إحاطتهم بالوزراء والندماء والأعوان، وكتبهم تزخر بعدد من المقولات والتوجيهات والآثار والمواقف الدالة على الاستغراق في الاعتناء بذلك، ككتاب الأدب الصَّغير والأدب الكبير لابن المقفع، والتبرُ المَسبوك في نصيحة الملوك للإمام الغزالي.
والوزير كما يقول د. غازي القصيبي - رحمه الله تعالى - «إِنسان عادي تولى مهام غير عادية» في إحدى مقابلاته الصحفية. ونستطيع أن نضع تعريفاً شاملاً مانعاً للوزير فيصبح هو»الشخص الذي كلفه ولي الأمر بمهام كبرى تمس حياة الناس ومنحه من الصلاحيات ما تخوله للقيام بذلك دون العودة إليه إلا إذا استدعى الأمر»، والتاريخ يشهد بأن هذه الوظيفة اعتلى صهوتها آلاف البشر، ولم يذكر الناس سوى العدد اليسير منهم، وهم الذين كانت هممهم تسبق أهدافهم وتطلعاتهم وآمالهم تسبق قدراتهم، فقاموا بواجبهم بجد وتفان وإخلاص وإبداع.
وليس هناك أعظم من إعانة الله - عزَّ وجلَّ - فهو المعين على الشدائد والمحن، وكما قال أحد أساتذتنا ومشايخنا حين كنا قريباً ندرس في الجامعة «إذا أعانك الله سهل عليك كل شيء» والوزير المتشوق للتميز والإنجاز، يجب أن يسلك الطريق المؤدي لذلك، وهو الذي أبان عنه - جمال الدين أبو بكر الخوارزمي - في كتابه «في السلطان وأسرار الوزارة» فقال في الوظائف أي - الأعمال المعينة - للوزير على الوزارة:
أن يبتدئ الوزير يومه بالدعاء، وقراءة القرآن العظيم، وأن يتصدق بشيء وإن كان يسيراً ليكون دافعاً لقضاء السوء، وأن ينوي الخير والعزم على الصلاح فيقول: لعل هذا آخر أيَّامي ولا أعيش بعده فأختم أعمالي بالخير وكل ما يحب لنفسه يحبه للناس وكل ما يكرهه لنفسه يكرهه للناس، وأن ينتظر أرباب الحاجات ولا يستخف بهم، وأن يسلك الرفق في قوله وفعله حتى يلحقه دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلَّم - : «أيما والٍ رفق بأمتي فرفق به، ومن شدد على أمتي فاشدد عليه»، وأن يجتهد على أن يرضي الجميع ليكون «خير الوزراء»، وأن يعزم بأن لا يقدم رضا المخلوق على رضا الخالق «كالمحاباة»، وأن يلتزم بالعدل ويتحراه « كالمساواة في المشروعات التنموية»، وأن يصل العلماء ويصلوه، وأن لا يمكن أحداً يعمل تحت سلطته من الظلم، فإنه جاء في التوراة « إذا علم السلطان بظلم عماله فرضي به فكأنما فعله». المرجع: كتاب في السلطان وأسرار الوزارة - للمؤلف - جمال الدين الخوارزمي وهو كتيب جدير بالتصفح والمطالعة.