ترى ماذا كانت سوزان سونتاغ ستكتب عن بشاعة الصورة التي تتناقلها التقنية الملأى بأوبئة الحروب على هذا النحو من المآسي؟
لو كانت سونتاغ تعيش يومنا هذا، وترى تلك الصور البشعة التي تخترق آلام الناس، ومدى انتشارها، ماذا ستكتب عن ذلك؟
وفي كتاب سوزان سونتاغ (عن الفوتوغراف) الصادر عن دار أزمنة تقول: «إن ألفة صور معينة تبني إحساسنا بالحاضر والماضي القريب؛ فالصور تضع أمامنا خطوطًا مرجعية، وتخدمنا كرموز أو تمائم لأسباب: فتبلور العاطفة حول صورة ما أكثر احتمالاً من تبلورها حول شعار لغوي. والصور تساعد في تركيب (ومراجعة) إدراكنا لماض بعيد جدًّا، مع تحريك صدمات لاحقة بواسطة توزيع صور لم تكن معروفة آنذاك. إن الصور التي يتعرف عليها الجميع الآن جزء لا يتجزأ مما يختار المجتمع أن يفكر فيه أو يصرح بأنه احتار التفكير فيه. وهو يسمي هذه الأفكار (ذكريات) وذلك في المدى البعيد نوع من الوهم. وبتعبير أدق: لا يوجد شيء اسمه الذاكرة الجماعية؛ فذلك ليس جزءًا من نفس عائلة الأفكار الزائفة كالإحساس الجماعي بالذنب. ولكن هناك تعليمًا جماعيًّا».
وتحلل سونتاغ تبلد مشاعر الألم لدى الآخرين قائلة: «إن الناس يمكن أن ينغلقوا، ليس لمجرد أنهم رأوا وجبة ثابتة من صور العنف، جعلتهم لا مبالين، ولكن لأنهم خائفون. وكما يلاحظ الجميع، هناك مستوى من العنف والسادية اللذين يمكن قبولهما في الثقافة الجماعية: التلفزيون، الأعمال الكوميدية، ألعاب الكمبيوتر. فالصور التي كانت ستجد جمهورًا منكمشًا ومنزويًا باشمئزاز قبل أربعين عامًا تشاهد الآن بطرفة عين من قبل كل شاب، وبشكل مضاعف. وبالفعل، إن الأذى يمتع كثيرًا من الناس في معظم الثقافات المعاصرة بدلاً من أن يصدمهم. ولكن لا يشاهَد العنف كله بدرجات متساوية من التباعد عنه. إن بعض الكوارث تعتبر موضوعات مناسبة للسخرية أكثر من سواها».
والواقع السلبي الذي يعيشه الناس بفضل الإعلام الذي يستجيب لدعاة تفشي العنف هو ما يمكن أن يؤدي إلى نتيجة حتمية، وصفتها سونتاغ قائلة: «إن السعي لاصطياد صور أكثر إثارة - كما توصف غالبًا - هو ما يحرك المشروع المتعلق بالتصوير، وهو جزء من الطبيعة العادية للثقافة التي أصبحت الصدمة فيها مثيرًا رئيسيًّا للاستهلاك ومصدرًا للقيمة».
وتفسر سونتاغ على نحو منطقي مبررات ذلك الشعور بالتعاطف مع صور الألم ومشاهده في وسائل الإعلام:
«طالما أننا نشعر بالتعاطف فإننا نحس بأننا لسنا شركاء في أسباب الألم. إن تعاطفنا ينم عن براءتنا كما ينم عن عجزنا. إلى ذلك الحد، يمكن أن يكون تعاطفنا - رغم نوايانا الطيبة - استجابة وقحة، إن لم تكن غير مناسبة. إن ترك التعاطف الذي نقدمه للآخرين الواقعين في الحرب، السياسة الإجرامية جانبًا؛ لنتأمل كيف تقع امتيازاتنا على نفس الخارطة كآلامهم، قد نفضل على نحو ما عدم التخيل - ولنربط امتيازاتنا بآلامهم، تمامًا كما أن غنى البعض قد يعني ضمنا فقر آخرين - مهمة لا تقدم لها الصور المؤلمة، المثيرة، إلا أنها شرارة البداية فقط».
وتبرر سونتاغ ذلك التراجع العاطفي الإنساني وتدني مستوى الاستجابة مع صور الألم والعنف لدى الناس بمرور الأيام موضحة: «إن قدرتنا على الاستجابة لخبراتنا بنقاء عاطفي وارتباط جمالي تصاب بالوهن من جراء النشر المتواصل للصور الفظة والمروعة - يمكن أن يسمى نقدًا محافظًا لنشر مثل هذه الصور». والآن ونحن نغرق ذواتنا في لقطات لا تحصى بفضل ذكاء التقنية.. ربما تناسينا كيف نستعيد مشاعرنا في الواقع الذي يتعطش إلى أن يتنفس لك الأحاسيس.
- هدى الدغفق