حين تبدأ بقراءة فن التخلي - المجموعة القصصية الأولى لعبدالله ناصر الصادرة عن دار التنوير 2016- ستشعر كما لو أنك فتحت صندوق باندورا، نعم هكذا بهذه الحرفية، وستجد نفسك متورطًا مع شخصيات كل قصة بشكل ما، كأنك تقف أمام المرآة لترى نفسك في أوجه مختلفة مثل شكل هندسي كثير الوجوه، في مواقف مختلفة، قد يكون أحدها نصيبك يومًا ما.
حين يتقدم بك العمر، وحين تنهي علاقة ما أو حتى حين تبدأ أخرى، عندما تكون تاركًا وحين تكون متروكًا، حين تحيط بك الموسيقى من كل جانب أو حين تصمت فجأة فتعرف أنها النهاية!
كانت معظم القصص أشبه بلقطات سينمائية لمخرج ذي عين محترفة، يعرف كيف يوجه الكاميرا، وأي زاوية ستكون أجدى لإبراز ذكائه الواضح في تشريح الحياة بهذا الشكل الصارخ. في قصة بعنوان تفاحة حواء يصف الكاتب:»قد تبدو من بعيد أشبه بكرة صوف تغزل منها الجدة كنزةً لحفيدها. قد تبدو قطةً حديثة الولادة تكورت من البرد والخوف. عندما يفكر أحدهم بلمسها وتهدئتها سينزع دون أن يدري مسمار الأمان لقنبلة يدوية خلفها أحد الجنود الفارين إبان الحرب العالمية الثانية».
يستدعي عبدالله ناصر جان فالجان - بطل رواية البؤساء الشهير- الذي ينجح في أن يكون بطلًا لكل قصة من القصص- وليست تلك المعنونة باسمه فقط - فكل هؤلاء يمكنهم أن يكونوا جان فالجان بصورة ما، ما دامت الخيبة والخذلان والوجع نصيبهم ونصيبه، بمعنى آخر يمكن لكل قصة من المجموعة أن تكون حياة من حيوات جان فالجان، لو تسنى له أن يحياها بشكل مختلف، والعكس بالعكس صحيح، حتمًا!
كتبت القصص باحترافية واضحة، تشي بكثير من الذكاء والنباهة والثقافة التي يتمتع بها كاتبها، ولا شك أن الشعر نال نصيبه منها هنا، أعني بعيدًا عن جدل شعرية النثر وما إلى ذلك، يمكنك ببساطة أن تسميها شعرًا دون حرج، ما دمنا نتفق على أنه ما يثير الدهشة والعاطفة والغبطة والألم، أليس ذلك ما يفعله الشعر؟ في قصة/ قصيدة بعنوان ثقوب؛ كثف عبدالله ناصر كل ذلك في سطر واحد فقط في اقتدار مذهل:
«قال الإسكافي: لا بد من رتق الجورب والقدمين والخطى والطريق»!
ما تقوله الأسطورة إن باندورا أخرجت كل الشرور التي عبأها لها زيوس، ولم يبق سوى فضيلة الأمل! أظن هذا ما فعله بنا عبدالله ناصر حين وضعنا تحت محك الوجع والمرارة، ولا شك أنه احتفظ لنا ببعض من الأمل الذي يحكمنا، الكائن ذي الريش على حد تعبير إميلي ديكنسون، ننتظر به مزيدًا من الصناديق!
- بثينة الإبراهيم