في معرض الرياض الدولي للكتاب التقيت بالموظف المسؤول عن البيع في جناح نادي جازان الأدبي، وتداولت معه حديثاً عابراً، وحين اخترت بعض الكتب سألته عن قيمتها، فكان ثمنها زهيداً، أو لِأقل: مشجّعاً على الشراء، ابتسمت له قائلاً: ليت نادي ... مثلكم، فأسعار إصداراته مرتفعة جداً، فأجابني: إن لدينا توجيهاً بتخفيض الأسعار؛ لأننا نريد أن نصل إلى القارئ، ونجذبه إلى الأدب والقراءة.
وذكر مثل هذه الكلمة الأستاذ محمد بن عبدالله بوديّ في كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح الموسم الثقافي الثاني لنادي المنطقة الشرقية الأدبي حين قال ما معناه عن القرّاء ومحبي الأدب: سنحرص على تقديم الأدب والثقافة إلى الكل، ومَن لا يصل إلينا فسوف نسعى إلى الوصول إليه.
ولئن أحسن ناديا جازان والمنطقة الشرقية الأدبيان في هذا الأمر، وفي هذه الرؤية والهدف الواعيَين؛ فحديثي إنما هو مدخل إلى ما أريد الوصول إليه: أليست الأندية الأدبية الأخرى مطالبةً أيضاً بالوصول إلى القارئ من خلال عدد من القنوات، منها الإصدارات؟ فلقد مررت بأجنحة الأندية الأدبية الأخرى وصُدمت بأسعار إصداراتها الباهظة، وعلى مسؤولي الأندية الأدبية أن يعوا أن الأندية ليست جهات ربحية.
إضافة إلى أسعار الإصدارات فإن من الملحوظ على الأندية الأدبية ضَعفَ أنشطتها الأدبية، فما بالك إذا ضممنا إلى ضعف الأنشطة ضعف الحضور؟ واستثناءُ نادٍ أو ناديين لا يلغي التعميم.
ربما يُعترَض على كلامي عن ضعف الحضور بأن هذا أمر ليس للنادي فيه يد، فلا يمكنها أن تجبر أحداً على الحضور، إضافة إلى طبيعة الشعر الحديث جعلته شعراً مقروءاً أكثر من كونه مسموعاً. ومع اتفاقي مع هذا الاعتراض، فإن أنشطة الأندية الأدبية ليست مقصورة على الشعر وحده، والأندية مطالبة بأن تجعل من أنشطتها جاذبة بكل وسيلة يمكنها التوسل بها، إن كثيراً من المحاضرات والندوات الأدبية التي يعقدها أدباء ومثقفون في بيوتهم أصبحت أكثر جذباً من الأندية، على أن بعض أوقاتها ربما يكون غير ملائم، فسبتية الشيخ حمد الجاسر تُعقد صباح يوم السبت، وهو وقت ويوم يدعوان إلى التكاسل، أو الانشغال بالأعمال العائلية مثلا، ومع ذلك فإنك إذا لم تحضر مبكراً ربما لا تجد مكاناً.
كما ينبغي للأندية أن تعيد النظر في الضيافة التي تقدّم للحضور، وليقل من شاء: إن مهمة الأندية ليس الضيافة. وفي رأيي أن الضيافة ضرب من الإغراء ونوع من الجذب ليقترب المهتمون إلى الأدب أكثر، وما دام أن الضيافة ستجذبهم إلى الحضور فما يُتوصّل به إلى الواجب فهو واجب أيضاً، وفي ظني أن هذا مما يجعل الصوالين الخاصة أجذبَ للأدباء والمهتمين.
وليت الأندية تفكر أيضاً في أن تغيّر من نمط المحاضرات والأمسيات الأدبية، فبدلاً من أن تكون في قاعة رسمية أشبه ما تكون بقاعة المحاضرات المدرّجة في الجامعة؛ يكون الحضور جالسين إلى طاولات متفرقة كما هو الحال في قاعات البرامج التدريبية في الفنادق، كما أن الأساليب التي تقدَّم بها المحاضرات والأماسي الأدبية تميل نحو الرسمية، وتفتقد إلى البساطة والأريحية، وتجعلها أقل جذباً للحضور. ويمكن أن تعقد الأندية عقود رعاية مع بعض الفنادق لتكون بعض الأمسيات والمحاضرات الأدبية فيها بدلاً من أن تكون في الأندية، وأن تقدم الأمسيات والمحاضرات الأدبية في الحدائق العامة، ونحوها.
إن كثيراً من رؤساء الأندية الأدبية ومسؤوليها -إن لم يكونوا كلهم- يحضرون الندوات الثقافية الخاصة ويرون كيف تكتظ المجالس بالحاضرين، ويدركون تماما عوامل الجذب فيها، وهم على يقين أن الأندية ليست جهات ربحية، ويعرفون معرفة دقيقة أن مفهوم النادي يعني مكان الاجتماع، فهل سيقفون وقفة جادة لانتشال الأندية من وضعها الذي صارت معه تشكو ضعف إقبال الأدباء، وصار جلّ نشاطها هو نشر الإصدارات؟
- د. سعود بن سليمان اليوسف