هاني سالم مسهور
بين متشائم ومتفائل ينقسم المراقبون للشأن اليمني عند ما يمكن أن تفرزه مباحثات الكويت من نتائج، وإن كان للمتفائلين دوافعهم فإن للمتشائمين أغراضهم التي تأخذهم لتقديم أن الأسوأ هو ما سيلي مباحثات الكويت، ومع ذلك لابد من القراءة الموضوعية فيما آلت إليه أحوال اليمن بعد سنوات صعبة عاش فيها اليمن فترات زمنية شديدة القسوة ازدادت منذ فبراير 2011م حيث تصارعت القوى السياسية في العاصمة صنعاء وتحول الساسة إلى جنرالات حرب حولوا العاصمة إلى خطوط التماس وضعت اليمن على شفير هاوية لم تنقذه سوى الذراع العربية التي تدخلت عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
كثير من المنعطفات مّرَ بها اليمن خلال السنوات الخمسة الماضية لكنها وبكل تأكيد هي خلاصة فشل نظام سياسي حكم البلاد على مدى ثلاثة عقود لم تستطع إنتاج دولة المؤسسات الموعودة، ولم تنجح ثلاثة وثلاثين عاماً من حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في غير تكريس واقع الظلم والجهل والفقر على كثير من الطبقات السياسية والاجتماعية في اليمن شماله وجنوبه، وهو ما أدى مع أزمة 2011م إلى انفجار كبير صنع كل هذه الأزمة اليمنية التي تجاوزت اليمن لتؤثر في محيطه الإقليمي.
مباحثات الكويت سبقها جزء مهم يتمثل في الاعتبار السعودي للشأن اليمني، فحديث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لوكالة (دبلومبيرغ) عن توصل الأطراف اليمنية إلى صيغة حل سياسي مع تأكيده على وجود وفد حوثي في الرياض كان تأكيداً أن المملكة العربية السعودية تتعامل مع اليمن وفق معادلة الجوار ومساعدته في الخروج من أزمته الصعبة، لذا فإن الاتفاق بين السعودية والحوثيين يجب أن يوصف بأنه (حجر الزاوية) في الصيغة السياسية للتفاهمات اليمنية، فلقد نجحت الرياض في تأمين باب المندب، وإعادة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة، واستطاعت تأمين حدودها باليمن، وهذا يعني الانتقال لمرحلة وضع أُطر الحلول السياسية للأزمة اليمنية، بعد أن تأكدت السعودية من إنجازها لمهامها في اليمن عسكرياً.
خلال الفترة من 10 ابريل وحتى موعد انطلاق المباحثات السياسية في الكويت في 18 ابريل 2016م كانت الهدنة ناجحة برغم اختراقات وتجاوزت حركة الإخوان المسلمين (حزب الاصلاح) على عدة جبهات في محاولة أخيرة للحصول على سنتميترات قليلة على الأرض يمكن أن تزيد من مكاسبهم على طاولة المفاوضات، أيام الهدنة كشفت نوايا أطراف يمنية تعتمد على ركوب الأزمات وتستفيد من الاختناقات السياسية لمصلحتها الحزبية، وهذا ما حدث على مدار أسبوع (الهدنة الهشة) مع تأكيد أن بقية الأطراف كان لها تجاوزاتها ولكنها لم تكن بدرجة ما حاول فيه الإخوان المسلمين من محاولة حقيقية لاستعادة الحرب المفتوحة.
الأمم المتحدة وعبر مبعوثها الخاص اسماعيل ولد الشيخ أحمد حددت خمسة نقاط كإطار للتفاوض، وجاءت هذه النقاط في صورة (هُلامية) حيث صيغت بطريقة تبدو مجرد عناوين لمفاوضات ناشئة، وهو أسلوب سياسي لتطبيق القرار الأممي 2216، وهذا التنفيذ لن يكون بذات المنطوق أو بالقرارات المنصوص عليها بل من خلال إجراءات تعتمد أولاً على إطالة وقف إطلاق النار على أن تتحول الهدنة إلى وقف شامل لإطلاق النار بين مختلف أطراف النزاع.
جزئية تحوبل الهدنة إلى وقف نهائي لإطلاق النار تعتبر نقطة رئيسية ستحاول الأمم المتحدة الوصول إليها كهدف في مباحثات الكويت لأنها ستفتح الطريق لجولات تفاوض قادمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط ومؤسسات الدولة عبر مراحل زمنية عليها رقابة كاملة من الأطراف الدولية المعنية بإخراج اليمن من أزمته.
الأهمية الحقيقية التي يحتاج اليمن هو أن تبقى الضغوط على كل أطراف النزاع اليمنية مع استمرار التأهب العسكري مع كل مراحل المباحثات السياسية التي يجب أن تلتزم كافة الاطراف بتنفيذ التزاماتها بشكل متوافق بما في ذلك الافراج عن المعتقلين العسكريين والسياسيين ولو بالحد الأدنى وهم الثلاثة المذكورين في القرار الأممي 2216، كما يجب ان تقف الدول الراعية وعلى رأسها دول الخليج العربية على اعتبار إدراكها لماهية أطراف النزاع لصد اساليب المراوغة والممطلة في إنفاذ الالتزامات والمواثيق عبر المرجعيات الثلاث وهي مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، والقرار الأممي رفم 2216.