هاني سالم مسهور
في حديث ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لوكالة (دبلومبيرغ) تحدث بأن هناك تقدماً كبيراً في المفاوضات، وأكد عن قناعته بأن فرصة السلام ممكنة وأنها باتت أقرب من أي توقيت مضى، واصفاً المفاوضات مع الحوثيين كانت جيدة،
وأن المملكة جاهزة في حال حدوث أي تغير على الأرض، هذا الحديث وبعد مرور عام على «عاصفة الحزم» وفي واحد من أهم اللقاءات التي تحدد معالم المملكة العربية السعودية القادمة، فذكر اليمن بهذه العبارات الدقيقة يحمل أيضاً مضامين أخرى لابد وأن تقرأ في سياقها الصحيح.
الأزمة اليمنية التي عصفت بها على أثر الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014م التزمت حيالها الرياض بأعلى درجات ضبط النفس، وعلى رغم التطورات الكبيرة التي حصلت جراء الانقلاب من استحواذ أطراف الانقلاب على أسلحة الدولة، وتسخير مؤسسات الدولة الحكومية لمصلحة مليشيات خارجة عن القانون والنظام، فلقد كانت الرياض تعمل على من خلال ما قدمته في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي شكلت في 2011م فض اشتباك بين أطراف النزاع اليمني، ونجحت المبادرة أن تكون علامة فارقة في دول (الربيع العربي) عندما نجحت في نقل السلطة السياسية والدخول إلى العملية السياسية الكبيرة في مؤتمر الحوار الوطني.
مهم أن ننظر إلى كلمات الأمير محمد بن سلمان وإن كانت قليلة في الموضوع اليمني لندرك أن الرياض مازالت وعلى رغم العدوان على حدودها وإطلاق الصواريخ البالستية على أراضيها وتضحياتها الجسيمة بالرجال في ميادين الكرامة والشرف، أنها تتعامل بمقدار عالٍ جداً بمقتضيات حٌسن الجوار والالتزام بما تأسست عليه هذه البلاد المباركة.
عندما خضع الحوثيون وأدركوا أنهم لن يستطيعوا الاستمرار أكثر في مواجهة معركتهم مع الشعب اليمني، جاؤوا إلى الرياض عبر وساطة قبلية، حملتهم ليعلنوا التزامهم بالتهدئة على الحدود مع السعودية كخطوة لإثبات حسن النوايا، ثم انتقلوا إلى مراحل أخرى من خلال اتصالاتهم التي باتت مفتوحة مع السعوديين والذين يدركون أن الحوثي لا يجب إغفال العين عنه ولابد من مواصلة الحزم والشدة في التعاطي معه.
الأطراف اليمنية كانت مدعوة وستبقى مدعوة للرياض، ولعلنا نتذكر أن المملكة كانت قد وجهت دعوة لكل أطراف النزاع اليمنية في يناير 2015م عبر المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، غير أن الحوثيين وشركاءهم في الانقلاب رفضوا ذلك، والآن أذعنت الأطراف التي رفضت تلكم الدعوة لتعود إلى الرياض كطرف يمني له كامل الحقوق في الحوار السياسي مع الأطراف الأخرى، والهدف هو بالتأكيد إخراج اليمن من هذه الأزمة العنيفة والعودة إلى ما توافق عليه اليمنيين في مارس 2015م عبر مخرجات الحوار الوطني، ويمكن إعادة النظر في الجزئية التي فتحت الباب للأزمة اليمنية كلها وهي تقسيم الأقاليم الستة.
الموقف السعودي لا يمكن التعاطي معه من غير أنه موقف يحتمل الالتزام المطلق بكامل المبادئ والمواثيق المؤسس عليها منذ نشأتها، لذلك حتى أول اتفاقية ابرمت بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية في 1934م حملت ذات المنهج الذي احتملته اتفاقية جدة الحدودية مع الجمهورية اليمنية في العام 2000م، لهذا لابد أن يتذكر كل اليمنيين، وسواء كانوا أطرافاً في النزاع أو كانوا من عامة الشعب أن المملكة العربية السعودية هي حاضن لليمن، وهي الأحرص عليهم، وأن التجربة الأخيرة برغم ما فيها من قسوة، ومن ثمن باهظ أثبتت أن لليمن حاضناً عربياً يتمثل في السعودية دولةً وشعباً.
جدير أن يتذكر اليمنيون أن محطاتهم السياسية العسيرة تكون معهم الرياض كما تكون معهم في رخائهم واستقرارهم، جدير أن يغرس اليمنيين في نفوس أبنائهم أن الملك سلمان بن عبدالعزيز استعاد وطنهم من حالة اختطاف كادت أن ترسل اليمن كاملاً إلى خارج أهليته العربية والإسلامية، هنا ما يجب على اليمنيين أن يتداركوه ويقفوا بمسؤولية واعتبار لكامل انتمائهم لعروبتهم وأصالتهم وما يجمعهم بجوارهم السعودي.
كان الأمير محمد بن سلمان قد التقى بنجل الرئيس اليمني السابق أحمد علي عبدالله صالح قبل أن تنطلق «عاصفة الحزم» بأيام معدودة، وقالها الأمير بوضوح (عدن خط أحمر) فكان حازماً في القول والفعل، وبعد عام خرج ليقول إن الأطراف اليمنية تقترب من الوصول إلى حل ينهي الأزمة، حديث يؤكد مدى الغاية والأهداف السامية، فالحرب في اليمن فُرضت على السعوديين، وكانوا في هذه الحرب يحملون كل صفات النبلاء، وبكامل ما يمتلكه العربي من خصال انتقلت «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل» لتؤكد القيادة السعودية أن الحرب تحمل دوافع وأهداف بحماية الشعب من تدخل خارجي أراد باليمن أصالةً وعروبةً وحكومةً وشعباً شراً وأرادت به الرياض خيراً.. وانتصر الخير على الشر، وصدق الإمام الشافعي الذي قال:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْدًا وَلَكِنْ
عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي