د.فوزية أبو خالد
سبقت زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية اليوم الأربعاء 21 -4 تصدر السعودية على الصفحات الأولى في عدد من كبريات الصحف الأمريكية على خلفية موقف المملكة الاستباقي الرافض لمحاولة الزج بها قضائياً في مسؤولية قانونية مزعومة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وإن جاءت الصياغات الصحفية للخبر بشكل لا يبدو معه موقف المملكة دفاعا عن سيادة وطنية بقدر ما يبدو موقفا غير ودي تجاه أمريكا. فعلى سبيل المثال أوردت صحيفة النيويورك تايمز ليوم السبت 16 - 4 هذا الخبرا عن السعودية باعتباره «تهديدات سعودية» تعبر عن حالة من الضنك» التي تكتنف العلاقة السعودية الأمريكية مؤخراً.
وعلى الرغم من أن الصحيفة قد عملت على تغطية الخبر من عدة جوانب حيث توقفت عند الجدل الحاد الدائر في عدد من الدوائر الأمريكية الرسمية هي الكونجرس والبنتاجون والخارجية وعدد من صناع القانون على خلفية طلب السعودية بالكف عن محاولة الربط الاستيهامي بينها وبين احداث الحادي عشر من سبتمبر, فإن ذلك لم يمنعها من الإشارة لذلك الطلب على أنه «تهديدات سعودية» لأمريكا.
فقالت إن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير في زيارته لأمريكا شهر مارس الماضي من هذا العام قد قام بنقل رسالة «تحذير سعودية» بسحب أصول استثمارات سعودية في أمريكا تزيد قيمتها على سبعمائة مليار في حال لم تثمن الإدارة الأمريكية دور السعودية الناجع في محاربة الإرهاب، ولم توقف قانونيا في وجه التعريض بمصداقيتها في ذلك.
وكان من الممكن أن تكون مثل هذه الأخبار سجالا عاديا بين حليفين تاريخيين من الطبيعي أن تمر علاقة المصالح التي تربط بينهما لشد وجذب ومد وجزر، تعارض وتوافق المصالح، لو لم يأت ذلك من منطق العلاقة الفوقية بين دولة عظمى وبين منطقة تعتبر أمريكا أهميتها الاقتصادية والعسكرية مجالاً حيوياً رئيسياً لسياستها الخارجية. كما كان من الممكن ألا يكون ذلك السجال مثار قلق للمملكة ودول مجلس التعاون ككل لو لم يأت ذلك على خلفية تتويج موقفها المنحاز تاريخيا لدولة الاحتلال الصهيوني إسرائيل بموقفها المتفرج اليوم ولأكثر من عشرة أعوام من التمدد الإيراني الميليشي الاختراقي لسيادة عدد من دول المنطقة، والذي لم يستشر إلا بعد التدخل الأمريكي للعراق.
ففي ظل هذه التحولات الانقضاضية المريعة التي تمر بها المنطقة بما يوشك -إن لم يكن قد مضى- على قلب كل موازين الاستتباب السابقة لا بد من التساؤل عن العلاقة بأمريكا. هذا دون أن أقف هنا، وإن كان الأمر بحاجة إلى وقفة في تأثير مثل هذا الخلط الإعلامي الاتهامي على التواجد السعودي والخليجي عموما في أمريكا، كما حدث مع طلاب من الكويت والسعودية نتيجة لمواقف تربط بين السعودية والإرهاب، بل وتذهب خطأ إلى دعشنة شعوب بأسرها في هوية إرهابية أحادية تكتوي منها هذه الشعوب يوميا.
ولهذا ليس من المقبول المضي في تغليب الجانب العاطفي في العلاقة بأمريكا، واستنخاء صفو العلاقات التاريخية في حين يبدو طرف العلاقة الآخر ماضياً في كتابة أقدار جديدة لذلك التاريخ، بما قد لايستبعد الصحب القديم من شراكة الكتابة بل من حق الوجود. غير أنه يبدو أنه بقدر ما دفعت شعوب المنطقة أثماناً باهظة من حريتها وحر مالها نتيجة إقامة العلاقة مع أمريكا فإنه على دول المنطقة أن تدفع اليوم أثماناً باهظة من استقرارها وحر مالها أيضا نتيجة رغبة أمريكا في إعادة تأطير العلاقة بحلفاء الأمس.
وإذا كانت أمريكا لا تتورع بين حين وآخر من استخدام ملف السياسات الداخلية لصالح تسجيل مواقف لصالح علاقتها الخارجية بعدد من دول المنطقة فليس ذلك إلا لأنها اخترعت اشتقاق «الدول المارقة» لنفض يدها من هذا النظام أو ذاك، أو لاستباحة ملاحظة هذا النظام أو ذاك، ولهذا فإن الرهان الحقيقي ليس بإعادة اختراع العجلة في العلاقة بأمريكا، وليس بمحاولة نفخ الروح في مشتركات نستولوجية كالتعاضد في الموقف من القاعدة، بل في إصلاح الحال الذاتي والذي بناء على قوته أو ضعفه ووضوح رؤياه أو غموضها تتحدد الدوائر الإقليمية والدولية في العلاقات الخارجية.
فما هي الرسالة التي نريد لأوباما أن يحملها للإدارة الأمريكية لتبقى باسم شعوب المنطقة بعد رحيله.