فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف الحكومة يوماً عن التفكير الجدي في تنويع مصادر الدخل لخفض الاعتماد على إيرادات النفط، غير أنها لم تضع خلال الخمسة وأربعين عاماً الماضية خططاً إستراتيجية وبرامج ملزمة للوصول إلى ذلك الهدف، فتحولت الأهداف إلى أمنيات مكتوبة في خططها الخمسية دون أن تجد من يحوّلها إلى واقع معاش. وفي المقابل، لم يتوقف المختصون والمهتمون بشؤون الاقتصاد والتنمية عن انتقاد الجهات المعنية لتقصيرها في تنويع مصادر الاقتصاد، والانعتاق التدريجي من إيرادات النفط غير المستقرة، وغير المستدامة.
سيل من الانتقادات وجهت للجهات الاقتصادية بسبب فلسفتها المتحفظة في إدارة احتياطياتها المالية، ولا أُبرئ نفسي منها. شكّل تركز الاحتياطيات السعودية في السندات الأمريكية قلقاً لأسباب مختلفة ومنها، ضعف العوائد المالية، وتركزها في دولة واحدة، ومنتج استثماري واحد، وعدم استثمار جزء منها في تنويع مصادر الاقتصاد محلياً، واقتناص الفرص الاستثمارية التي تتولد بين لحظة وأخرى.
لم يكن الساسة بعيدين عن توجيه بعض الانتقادات الضمنية لسياسة الاستثمارات الخارجية، وضعف عوائد الاحتياطيات المستثمرة في السندات الأميركية، واستغلالها لدعم الاقتصادات الأخرى بدلاً من الاقتصاد الوطني، وإن أتت كردة فعل ضمن السياق السياسي.
إعادة هيكلة الاقتصاد وبنائه وفق رؤية محققه لأهداف التنوع الاقتصادي وتنوع مصادر الدخل بات هماً حكومياً، كما كان من قبل، هماً للنخب وعامة الشعب. أكثر الخطوات صعوبة، أولها، وأشدها مخاطرة ما ارتبط منها بالتحول الكلي الذي قد يتسبب في زعزعة قواعد الارتكاز وقد يسهم في رفع البناء وتحسينه، ما يتطلب حشد الجهود الحكومية والشعبية، وفتح باب التواصل الإيجابي وبما يساعد على وضوح الرؤية، وتهيئة البيئة المناسبة لاتخاذ القرار الإستراتيجي. الخوف من التغيير، طبيعة بشرية، وكلما ارتبط ذلك التغيير بالتوكل على الله والإخلاص له أولاً، ثم بالدراسات العلمية الحصيفة، ومقارنتها بالتجارب السابقة، والاستئناس بالخبرات الوطنية المخلصة كان ذلك أدعى للنجاح - بإذن الله -. قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
إنشاء «صندوق استثماري» كان ضمن الخطط المزمع تنفيذها للإعداد لمرحلة ما بعد النفط، وهو التوجه الذي حفز النقاش العام والخاص، وهو أمر صحي لولا خروج بعضه عن إطار الحقيقة بسبب الفرضيات المسبقة.
وكالة بلومبرغ أشارت إلى أن سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «قدَّم جزءًا من رؤيته بشأن صندوق الاستثمارات العامة»، الذي ربطته بالصندوق السيادي الأضخم في العالم. نقص المعلومة ذات العلاقة بتمويل الصندوق تسبب في ردود أفعال مختلفة. إنشاء الصندوق السيادي هو جزء من رؤية شاملة، وحزمة من القرارات الاقتصادية الموجهة لإعادة هيكلة الاقتصاد، وليس القرار الأوحد ولا شك. بعض معلومات «الصندوق الاستثماري» الدقيقة تاهت في زحمة النقاش المحتدم، ومنها توجيه 50 % من أصول الصندوق للاستثمار الداخلي، والاستثمار في تنويع مصادر الاقتصاد الذي لا يمكن تحقيقه إلا بمشاركة رأس المال الحكومي. إضافة إلى تحقيق التنوع الجغرافي والاستثماري في توزيع أصول الصندوق الخارجية وبما يسهم في زيادة العوائد، وتعظيم الأصول، وخفض المخاطر، والاستحواذات الإستراتيجية الداعمة للاقتصاد الوطني. كما أن بعض إجراءات الترشيد وإعادة هيكلة الدعم ستوفر 375 ملياراً سنوياً.
أحسب أن إعادة الهيكلة الاقتصادية، والتنظيمات الإدارية، ستسهم - بإذن الله -، في تنفيذ الكثير من البرامج المعطلة، التي كنا نطالب بتنفيذها. حراك شامل، وجهود تبذل على جميع المستويات، وبرامج نوعية، وإصرار على إحداث التغيير المنشود للوصول إلى النتائج الإيجابية. الإعلان الشفاف عن رؤية التحول الاقتصادي ربما أسهم في تدفق المعلومات الشفافة المعينة على بث الطمأنينة في قلوب الجميع. البرامج الجميلة قد يتسبب ضعف المعلومة في تشويهها والعكس صحيح.
أختم بالتذكير بمقالة كتبتها في فبراير العام 2006 تحت عنوان «إمكانية الاستغناء عن إيرادات النفط خلال 20 عاماً»، وجاء فيها ما نصه، «في مثل هذه الظروف غير الاعتيادية.. يمكننا أن ننجح في تحقيق أهدافنا الإستراتيجية وتأمين حياة أفضل لأجيالنا القادمة من خلال الاستغلال الأمثل للثروات المتاحة، ومن خلال تأسيس الصناعات وتنمية القطاعات الاستثمارية التي ستعيننا، بإذنه تعالى، على التحرر التدريجي من الاعتماد على الإيرادات النفطية في مدة زمنية قد تقل عن العشرين عاماً».