منيف الصفوقي
منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 2015، زادت وتيرة محاولة بعض الدول الشريكة في الاتفاق -على رأسها الولايات المتحدة- في تسويق نظام طهران إقليمياً؛ تحت فرضية ظهور تيار إصلاحي في إيران صنع الاتفاق التاريخي.
ذروة هذا المسعى تجلت في تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن تفاهم الدول الإقليمية مع إيران هو السبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهي تصريحات مشابهة لأخرى صدرت عن مسؤولين غربيين تدور حول التوجه نفسه، وإن بدرجات متفاوتة أو مقاربات مختلفة، لكن جوهرها واحد.
هذا التسويق لنظام إيران هو أخطر مشروع إلغاء تواجهه المنطقة العربية، خاصة دول الخليج العربية، لأنه مدخل تسليم المنطقة إلى إيران من باب تحقيق الاستقرار، مع العلم أن الاستقرار لن يتحقق، في ظل وجود النظام الحالي في طهران بسبب أن بنية نظام الملالي تقوم في جوهرها على أساس أنه «سنة كونية دينية إلهية» هدفها إنشاء إمبراطورية توسعية تشمل الشعوب الأخرى تمهيداً لإقامة حكومة إسلامية عالمية تحت حكم الولي الفقيه، ومن يعارض هذا الأساس
«الإلهي» هو شيطان تجب محاربته.
فرضية وجود جناحين في النظام الإيراني؛ أحدهما تيار متشدد وآخر إصلاحي، ليست إلا كذبة روّجت لها ماكينة السياسة الأمريكية وإعلامها في العقدين الأخيرين ضمن سياسة احتواء طبقت على إيران وسوريا وكوريا الشمالية وليبيا والعراق؛ بغية الوصول إلى تغيير سلوك تلك الأنظمة المارقة.
سياسة الاحتواء الأمريكية فشلت فشلاً ذريعاً، ولم يتغير سلوك أي من الأنظمة السابقة، بل إن بعضها زاد وحشية في ظل العجز الأمريكي، وخير دليل على ذلك الفشل السلوك الإجرامي الذي يمارسه النظام السوري المدعوم من نظام لا يقل إجراماً وهو النظام الإيراني.
وعليه فإن فرضية تياري التشدد والإصلاح في النظام الإيراني مثلها مثل فرضية الحمائم والصقور في النظام الصهيوني، المشترك بينهم أنهم جميعاً قتلة، وللتفصيل أكثر فإنه من غير المعقول أن هناك رئيساً إصلاحياً للدولة يقود هو وتياره المسالم بلداً يشارك جيشه في حروب إبادة طائفية في أكثر من مكان، والرئيس الإصلاحي يسهم في زعزعة الأمن ودعم الإرهاب في بلدان أخرى؛ ما يجعل هذا الرئيس وتياره الإصلاحي أحد اثنين؛ إما أنه وتياره جزء أصيل وفاعل من نظام سلوكه الإجرام، وهنا تلغى فرضية وجود الإصلاحيين، وإما أن يكون هذا التيار الإصلاحي مجرد واجهة لا قيمة لها، وهنا أيضاً ينتفي وجود الإصلاحيين.
المشكلة مع النظام الإيراني جوهرها بنية النظام العقدية التي تزداد صلفاً وإرهاباً مع مرور الأعوام، فأيديولوجيا تحكم النظام بغض النظر عن أسماء من يحكمون، وهي المحدد في تشكيل وعي وإدراك المنتسبين لهذا النظام، وهي فضاء تبرير هذا النظام لإجرامه تجاه الآخرين، وهي ما تضفي الشرعية على أي مسلك إجرامي للنظام بغية تحقيق إمبراطورية الولي الفقيه، وكل من يصنف إصلاحياً أو متشدداً لا يسعه الخروج عن الأيديولوجيا الدينية للنظام، فهي (أي الأيديولوجيا)، إما أن تكون قائداً لأفعال من يوصفون بالمتشددين، وإما إطاراً محدداً لمن يسمون إصلاحيين، وعليه فإنه لا فرق بين الاثنين بسبب وحدة المرجعية الأيديولوجية.
وعلى الرغم من أن مؤشرات هزيمة المشروع الإيراني تلوح في الأفق بداية بالميدانين اليمني والسوري، فإن إيران لن تغيّر من سلوكها الإرهابي حتى لو خسرت أذرعها الإرهابية في العراق ولبنان وانحسرت إلى داخل حدودها، وذلك أن الأيديولوجيا المعتنقة هناك ولّدت ثقة مبالغاً فيها في أن هدف هذا النظام الأيديولوجي سيتحقق مهما طال الزمن وتغيرت الظروف، وعليه فإن هذا النظام لن يجري أي مراجعة ولن يقبل بأي خفض في منسوب العنف والإجرام؛ ليقينه أن هذا الخفض يعد «خيانة».
إيران لن تكون في يوم من الأيام صديقة للعرب، قد تكون صديقة للآخرين، خاصة الذين تزعجهم عربدة إيران، لكنهم بين غير راغب أو عاجز عن وقفها، وعليه فإنه إذا كان استسلام المنطقة لإيران سيوقف دورها في صناعة وتصدير الإرهاب فلا بأس بنظرهم.
اليوم الذي يمكن فيه عد إيران دولة صديقة للعرب هو اليوم الذي ينال فيه الشعب الإيراني حريته واستقلاله عندما يسقط احتلال الملالي ونظامهم المجرم الذي مارس أفعال التدمير تجاه شعبه والآخرين.