منيف الصفوقي
إيران الخميني تختلف عن إيران خامنئي، فالحقبة الخمينية اتسمت بالوضوح والمباشرة والعقائدية المتوافقة مع المعتقدات المذهبية المغلقة، لهذا كفر الخميني جميع من هو خارج دائرة الشيعة الإمامية الجعفرية بشكل واضح وصريح ونص عليه في أكثر من مكان وزمان، وهذا خلاف حقبة خامنئي التي يغلب عليها المراوغة وتبادل الأدوار والتقية السياسية.
وضوح الحقبة الخمينية أفشل مشروع الهيمنة من خلال تصدير الثورة، لذلك حل بدلا عنه اختراق الأقليات في الوطن العربي بعبارات إسلامية عامة لتحويلهم إلى طابور خامس يسقط الدولة من الداخل ويحقق هيمنة إيران وطموحاتها التوسعية.
المقدمة السابقة الهدف منها إيضاح التصنيف الذي كانت توصم به الزيدية في اليمن بشكل عام والحوثي على وجه التحديد عند ملالي إيران، وماذا تغير بعد العام 1990 أي بعد أقل من عام على رحيل الخميني مرشد إيران.
قبل إيران خامنئي كان الخميني ومعه كثير من ملالي إيران يكفرون الزيدية ويرون أنهم أنجاس، ويتهمون صراحة الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إمام الزيدية بأنه سكير ومدمن على الخمر.
وأشار الخميني لكل ذلك علانية في الكثير من كتبه ودروسه، بل حين بدأت بعض الجهات في نظام الحكم الإيراني التمهيد لاستقطاب الأقليات في الوطن العربي تحت شعارات إسلامية عامة عارض الخميني ذلك، وأفتى مرارا أن الزيدية أشر من النواصب - المقصود بهم بعموم أهل السنة -، زاعماً أن قوله تعالى في سورة الغاشية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}، نزلت في الزيدية تحديدا، وأقوال عالم في طهران بمكانة الخميني هي نصوص مقدسة كونه أعلم أهل زمانه، ليست مجرد اجتهادات يصيب فيها العالم ويخطئ.
ظل الخميني في آخر أيامه مصرا على موقفه من الأقليات التي تريد جهات في طهران إدخالها تحت العباءة، وعبأ الخميني لهذا الغرض عددا من العلماء المقربين منه، لكن الكثير منهم اليوم يفتون حسب وجهة طهران السياسية بعد أن كانت فتاويهم السابقة أن الأقليات وتحديدا ونصا الزيدية أنهم «شذاذ آل محمد»، وأنهم سفهاء جهال كفار لا يجوز نسبهم إلى التشيع بتاتا، بل ذهب بعضهم إلى عدم جواز إعطاء المشرف منهم على الهلاك عطشا شربة ماء.
كل هذا الإرث العقائدي الذي طبع فترة الخميني والمستقى من أمهات الكتب عند الشيعة للمجلسي والكشي والعاملي وغيرهم تحول من منع العطشان الماء إلى دعم الحوثي بالمال والسلاح والرجال من أجل الولوج من خلاله إلى الهيمنة على اليمن كخطوة في خطوات الإمبراطورية الإيرانية.
الأكيد أن ملالي إيران لم يغيّروا عقيدتهم تجاه الزيدية أو غيرهم، لكن الذي تغير أن أفكار الخميني عن عدم الحاجة للتقية بعد أن قامت الجمهورية الإسلامية هو الذي تغير، فخلال 10 أعوام قضتها إيران في تصدير ثورتها اكتشفت لاحقا أنها ثورة غير قابلة للاستهلاك عند الشعوب العربية.
خلاصة القول أن الحقيقة الموجودة والموثقة هي الموقف العقدي الإيراني من زيدية اليمن، وهذا تاريخ حديث مثبت له دلالاته، ومن لا يقرأ التاريخ لن يفهم الحاضر، أما ما يخص المستقبل فالزيدية عليهم أن يعلموا أنهم لن يكونوا جزءا من مشروع إيران، وهذا ينطبق أيضا على الطائفة العلوية في سوريا، وينسحب على اليسار العربي والقوميين، وكونهم جميعا ليسوا جزءا من المشروع الإيراني مرده - أولا - إلى أن المشاريع العقدية لا تقبل التشارك مطلقا، و - ثانيا - أنهم أدوات لها استخدام لتحقيق أهداف محددة ضمن فترة صلاحية محددة.