منيف الصفوقي
يطرح منذ فترة ضرورة استعادة الشيعة العرب إلى الحاضنة العربية تحت شعار قطع الطريق على إيران لتوظيفهم ضد بلدانهم، وهنا لا بد من التوقف عند أمور قبل المطالبة بالاستعادة.
أولاً من أضاع الشيعة العرب في الأساس؟
الإجابة فيما أعلم أنه لا توجد دولة عربية فيها شيعة أسهمت في عزلهم أو استهدافهم أو التضييق عليهم حتى استقروا في حضن إيران، وعليه الحديث عن ضرورة استعادة الشيعة يحمل اتهاما ضمنيا للعرب غير الشيعة بأنهم دفعوا الشيعة تجاه إيران، مع أن الحقيقة تقول إن غالبية الشيعة ذهبت طوعا تجاه إيران.
لو تجاوزنا إشكالية توجه الشيعة طوعا إلى الحضن الإيراني والتي يترتب عليها سلفا أنه لا استعادة لذاهب باختياره، فهو في النهاية غير مختطف كما يصور، يبقى السؤال مفتوحا على الشق الثاني، ما الذي يمنع الشيعي العربي من الالتحاق بمشروع وطني في بلده؟
الإجابة لا يوجد ما يمنع كواقع، خاصة أنه ملتحق طوعا بإيران، ولذلك بإمكانه العودة طوعا، لكن لدى غالبية الشيعة ما يمنعهم تركيبيا، فتوجه الغالبية مع المشروع الإيراني ليس بسبب الدعم المالي الآتي من طهران، بل بالعكس هم من يدفعون الأموال لنظام الولي الفقيه في إيران تحت واجبات دينية، لكن توجههم تجاه طهران هو ارتباط وجودي ديني ضمن مشروع إيران الديني.
هذا الارتباط أوجده موروث ديني لم يستطع التعايش مع الآخر، وعليه لو قامت دولة في مشارق الأرض أو مغاربها وحملت المشروع الإيراني نفسه سييمم الشيعة العرب تجاهها، فأزمة الشيعة العرب تجاه أوطانهم لم تكن أزمة إقصاء أو أزمة شراء إيران الولاءات، بل هي أزمة موروث مسيطر على العقل الشيعي العربي، فإذا وجد المحرك انساقت الأغلبية خلفه، وتصادمت مع محيطها، وسعت في خطوات اجتثاثية لمخالفيها من الداخل والخارج، أما حالة الوئام السابقة التي تُضرب مثلا في العيش المشترك فهي تسقط وجود المحرك أو الرمز القائد للأكثرية.
من هنا يظهر أن فكرة استعادة الشيعة العرب كما يطرحها بعض الشيعة العرب وكثير من غير الشيعة تقفز على الواقع والتاريخ والدين، فكل المنادين بالاستعادة برأيي يهربون من تحديد أساس المشكلة لهذا يحصرون الفشل بنقص الدعم المالي، فيما حقيقة فشل النخب الشيعية في استعادة الشيعة مرده إلى أن الورقة المذهبية تهزم ما سواها باختصار، وعليه لن يكون مشروع الاستعادة المتوهم إلا نزفا ماليا للدول التي يسوق لها هذا المشروع، وسيفشل فشلا ذريعا، لأن الإشكالية موجودة في عقول تعتقد أن الذي في طهران هو ظل الله في الأرض، وأنه مالك لمفاتيح الجنة والنار، وهذا مقبول للمخالف لو ظلت هذه النظرة في الإطار الديني أسوة بفرق دينية أخرى وصلت المغالاة بها حد التأليه، لكن الإشكالية أن من في طهران فردا كان أو مؤسسة جعلت هذه العقول تؤمن أنه لا إمكانية للعيش إلا بقتل الآخر وتهجيره.
ومما سبق فإنَّ استعادة الشيعة العرب ليست مسؤولية العرب بل هي مسؤولية الشيعة أنفسهم، فهم تحولوا إلى حالة ألزمت نفسها بالتبعية المطلقة لأشخاص محددين لا يمكن الحيد عن فتاواهم وإن تعارضت مع بديهيات العقل أو الفطرة أو الدين الحقيقي، ولذلك على الشيعي العربي أن يستعيد نفسه بنفسه، فهو من ألزم نفسه، وهو من يستطيع فك هذا الإلزام.