رجاء العتيبي
عندمـــا ترى معارض المواهــــب في مجال الفنون التشـــكيلية تشعر بحـسرة، كيف لهــؤلاء المواهـــب أن يتطور مستواهم الفني دون أن يتعرضوا للتجارب العالمية, أو يدرسوا على أيدي فنانين محترفين في إيطاليا، وفرنسا وأمريكا وروسيا، كيف لهم أن يطوروا من مهاراتهم دون أن يقرأوا شيئا عن نظريات الفنون وتاريخ الفن وعباقرة الريشة, كيف لهم أن يبدعوا دون أن يدرسوا الفنون أكاديميا لأربع سنوات أو ثمان سنوات, وكيف لهم أن يعرفوا آخر ما وصلت إليه الفنون دون أن يجيدوا لغة أجنبية تكون لهم نافذة على المدارس الجديدة.
سيكون آخر عهد هذه المواهب بالفنون حين يلتحقون بوظيفة أو يدخلون بيت الزوجية, سيأخذهم طلب العيش عن موهبتهم كما حصل لكثير من المواهب التي طمرها الزمن دون أن ترى النور، وسيظلون في خانة المواهب أو الهاوين لفترة طويلة وبعطاء محدود حتى تتلاشى الموهبة دون أي تأثير على الحراك الفني المحلي.
بقي الرواد من التشكيليين جيل كامل يقدمون عطاءهم الفني بلا حدود, رغم سجن الوظيفة ومتابعة متطلبات العائلة، بقوا مواهب أصيلة تطورت عندما صقلت في الخارج، كثير منهم درس في إيطاليا وألمانيا وأمريكا وبريطانيا، يوم كان الابتعاث في مجال الفنون أمرا مباحا لا حرج فيه.
الموهبة وحدها لا تكفي، طالما أنها لم تتماهى مع التجارب العالمية بكافة أنواع التماهي (تأهيل أكاديمي، ورش عمل، مؤتمرات، تبادل ثقافي، معارض دولية، زيارات ... ), وطالما أن هذا التماهي غائب تماما، فإن مصير مواهبنا في التشكيل إلى التلاشي دون أن تبزغ نجوم جديدة تحمل راية التشكيل وتكمل مسيرة الرواد.
المواهب في الوقت الراهن لا تريد سوى برنامج ابتعاث طويل الأمد يشمل كافة مناطق ومدن المملكة، دون شروط تعجيزية سوى أنه يملك فنية أصيلة يمكن تطويرها بالتأهيل الأكاديمي, وهذه (أولوية) يأتي بعدها المعارض, والورش, والاستثمار, والتمثيل الدولي. بدون برنامج الابتعاث ستبقى المواهب ناقصة أكاديميا, وعددها قليل, وكثير منها سيختفي، ذلك أن الابتعاث سيجعل في كل بقعة من وطننا فنانا يمثل واجهة حضارية لبلدنا، ويعكس التنوع الثقافي الذي يتميز به بلدنا عن غيره.