رجاء العتيبي
نتفق أنّ هناك انكماشاً ثقافياً يعيشه الوسط الثقافي هذه الأيام، في ظل عزوف جماهيري واضح عن المناشط الثقافية، وفي المقابل قد نختلف حول كيفية استعادة الحراك الثقافي إلى سابق عهده، بعضهم يلجأ إلى تنظيم ورش عمل تطويرية، وبعضهم يفكر في إيجاد قيادات ثقافية فاعلة، وبعضهم يرى ضرورة حلحلة العوائق البيروقراطية، وبعضهم يرى الحل في ميزانية ضخمة، وبعضهم يؤكد فصل الثقافة عن الإعلام.
وفيما يدور جدل (الحل الثقافي) نرى الاهتمام الجماهيري منصباً على الأحداث السياسية، والصراعات الحزبية والطائفية، وبعضاً من تفاهات قنوات التواصل الاجتماعي، في وقت لم يستطع المثقف أن يكون شخصية مؤثرة كما كان في السابق، لا يعدو موقفه الآن أكثر من (متفرج) وشيئاً من الامتعاض والانتقاد يبديه هنا وهناك.
المسألة - ليست جدل وحلول ونقد وورش - المسألة لها علاقة بالزمن الذي نعيشه الآن، فهو زمن الجماهير وزمن ما بعد الحداثة، كما أشار إلى ذلك د. عبد الله الغذامي في أكثر من مناسبة، واقرأ إن شئت كتابه (الثقافة التلفزيونية : سقوط النخبة وبروز الشعبي).
في هذه الأطروحة يقدم الدكتور الغذامي وعيا لأصحاب القرار بأن الجماهير هي سيدة الموقف، وأي حلول لا تضعهم في الحسبان هي حلول مآلها إلى السقوط باعتبارها حلول نخبوية، وطالما الأمر بهذا الوضوح، لماذا أصحاب المشروعات الإستراتيجية الخاصة بمستقبل الثقافة لا تعد هذا الكتاب وغيره من الأطروحات التي قاربت المشكلة والحل في اعتبارها، لماذا لا تجعل من هذه الأطروحات خارطة طريق للحل الثقافي؟ لماذا تلجأ إلى نظام (التوصيات) الذي عفى عليه الزمن؟
الحل الثقافي يبدأ من (آباء تنويرين) يؤسسون لـ (دستور) ثقافي متكامل الأركان قائم على مفاهيم اقتصادية، تبني عليه الأجيال فعلها الثقافي بعيداً عن التصنيفات والتحزب والإقصاء، ذلك أن الاقتصاد مجال محايد لم تعبث به أيدي التعصب والخطابات الموجِهَة, والجماهير هم رهان اليوم وغدا، وهم الذين يعطون للحلول بعداً اقتصادياً مستداماً.
انتظار الإعانات والهبات والميزانيات والدعم الحكومي لم يعد حلاً، بقدر ما هو في الأفكار الخلاقة والأطروحات الفريدة ومقاربة الجماهير والتحول نحو اقتصاديات السوق.