فاطمة العتيبي
هل يتراءى لبعضنا أن الله سبحانه في ملكوته الواسع تغيب عنه غائبة، وهل نحن إلا مجتمع بشري مواز لمجتمعات كثيرة لنا طقوسنا وسيرنا وصيرورتنا إلى غدنا الذي يلحقه بعضنا وبعضنا يلحق غيره في دار أخرى من دور الله، هل تخيل أحدكم وهو فوق السحاب قريباً من السماء السابعة المواجهة للطبقة الأولى من الأرض، هل تخيل أن البشر الذين يختار بعضهم أن يتكبروا ويسرفوا في التصارع على الفرص هم أشبه بمجتمع النمل الذي له قوانينه وطبقاته وخط سيره وسياسته وإستراتيجته ورؤيته، هل يعلمون أن النمل يعمل وفق سياسة درء المخاطر فيجمع قوت الشتاء ويخزنه، ويلهو في الصيف ويتشمس في الربيع، ويبكر ويغدو، ويسافر ويؤوب، هل يظن الإنسان أنه وحده في هذا العالم، إذن فليتذكر قوله تعالى {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ}.
لماذا العنق وما المقصود بالطائر؟ قال المفسرون بحسب ما ورد في الطبري: لأن العنق هو موضع السمات، وموضع القلائد والأطوقة، وغير ذلك مما يرمز للتقدير أو عكسه، أما الطائر فهو العمل الذي يؤدي بصاحبه للسعادة، وهي الجنة التي وعد فيها الأتقياء، وإما الشقاء وهي النار. لن يسألنا الله هل نبهك أحدهم أم لا؟ التركيز على قرارك أنت وفعلك أنت واختيارك أنت، إنها مسؤوليتك. وإذا كان الواحد في مجتمع النمل يتحمل مسؤوليته كاملة فيشارك ويعمل ضمن منظومة لها تقاليدها وأعرافها وقوانينها وأهدافها التي تصل فيها إلى تحقيق رؤيتها، فهل يقصر المجتمع البشري عن ذلك، هل يفتقد الإنسان للبوصلة التي تنمو في داخله بفعل الفطرة والضمير وأشياء أخرى، لا تشترى لكنها تتشكل بفعل الثقة والتنشئة الصالحة، حتى إن ضعفت حيناً لكنها ترمم نفسها وتستعيد قوتها بسكينة.