د. صالح بن سعد اللحيدان
لعلي لا أعدو الحقيقه إذا قلت: إن هذا الذي أكتبه قد لقي ترحيباً حسناً من خلال أوساط متعددة وقد عزم بعض العلماء والمحققين منهم وكذلك بعض دور النشر النخبة منهم على إعادة النظر في بعض ما ورد في الكتب لديهم مما جرى منهم بسبب التشابه في الاسماء والألقاب والكنى وما ترتب على ذلك من إحالة آثار إنما هي ليست لصاحبها المرسوم ولكن انما وقع ذلك بسبب التشابه.
وهذا التشابه هو الذي لعله أعجز بعض المحققين وطلاب العلم من الوصول الى صاحب النص خاصةً اذا كان النص ليس حديثاً انما هوكلام جرى مجرى الحكمة أو جرى مجرى الأمثال. وقد يقع هذا أيضاً في الحديث دون أدنى شك، وخلال القرون الأول والثاني والثالث حصل لبس شديد في أسماء الرجال بسبب الاسماء والالقاب والكنى وكذلك بسبب النقل المجرد عن هذا وذلك.
حتى إن الامام مسلم أورد بسنده عن بن عباس انه قال: (كان إذا قيل لنا قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- اشرأبت اليه قلوبنا، اما وقد كثرت الفتن فقلنا سموا لنا رجالكم) ويقصد من هذا انه لا بد من معرفة حقيقة الناقل من يكون وعلى أي درجة ومن أي بلد وما هو اسمه أو لقبه اوكنيته على حقيقة لا تقبل الاختلاط بوجه من الوجوه.
ولعل كثيراً من المحدثين أعني المعاصرين قد وقع عندهم كثير من اللبس في مثل هذا مما أوجب على كثير منهم العود على بدء.
وهذا دال على عظم هذا العلم وهو بيان هذه الأمور الثلاثة ذلك ان من حفظ حجة على من لم يحفظ.
وخذ مثلاً الاختلاط الشديد بين اسمين مشهورين في كتب الادب وكتب العلم وكتب القضاء والتحقيق.
وهذا الاسمان هما شريك بفتح الشين وشريح بضم الشين فإن كثيراً من الأقوال تنسب الى الاول وإنما هي الى الثاني وقد تنسب الى الثاني وانما هي الى الاول وهذا فيه حيف وفيه جهل وفيه عجلة ما في ذلك شك عندي.
ومن هذا الباب أبين على هذا الاساس ما يلي:
اولاً: شريح بضم الشين انما هو شريح ابن قيس ويكنى بأبي أمية وهو من أهل الكوفة ومن الفقهاء الكبار وله دراية في الرواية وكان في زمن عمر ثم علي وقد روى عن بعض الصحابة أحاديث.
وكان قاضياً نزيهاً عادلاً عاش بين الفقر والورع وسار بذكره الركبان قيل إنه عاش قرابة المئة وعشرين سنة.
ثانياً: أما شريح بفتح الشين فهو كذلك من الكوفة فهو شريح بن هاني رأى بعض الصحابة وروى عنهم بعض التابعين وكان أسمر اللون بين الطويل والقصير وروى له البخاري وغيره. وليس هنا موضع نقل ما قالاه او نقل عنهما لكن قصدي هو كثرة الخلط بينهم وهذا عندي أمر مريب.
وهذا يتوجب منه المراجعة من قبل كثير من العلماء والمحققين وضبط الكلام والآثار المنسوبة الى هذا اوذاك.
ثالثاً: ابو مسلم الخولاني وهذا يشتبه بأبي إدريس الخولاني.
وانما أبو مسلم الخولاني أقصد به الذي لقيه الأسود العنسي وألقاه في النار فأنجاه الله منها وهو فقيه عالم زاهد رأى أبا بكر وعمر وجملة من الصحابة وهو ثقه ثبت.
رابعاً: أما أبو إدريس الخولاني فهو العائذ بالله ابن عبدالله من أهل الشام جمع الله له بين العلم والورع والعمل رأى بعض الصحابة وكان من أئمة الرواية وجلس كثيراً في الشام وكان مجاب الدعوة وكان الناس يرحلون اليه.
خامساً: أبو سعيد البصري والمراد به الحسن بن أبي الحسن البصري العالم المشهور نشأ بالمدينة وحافظ القرآن حفظا تاماً وكان كثير السمت والدل وكان خيراً سمع منه كثير من التابعين من الطبقة الثالثة او الرابعة وهو قد أخذ من الحسن البصري روى له البخاري بالمقارنة وهو المشهور عند عامة الخلق بالحسن البصري.
سادساً: أبو عمر وينسبه آخرون بكنية اخرى بأبي عبدالله وانما هو سالم بن عمر بن الخطاب العدوي وهو من أهل العراق ومن اهل المدينة روى من كثير من الصحابة وهو من أشد الملازمين لأبيه.
سابعاً: ابو عبدالله المحدث العالم الجليل فإذا اطلق القول بأبي عبدالله العدوي القرشي فإنما هو نافع مولى ابن عمر بن الخطاب وكان رفيع الدرجة وكان بين السمرة والبياض، وكان كثير السمت كثير العبادة جمع بين الرواية والدراية، وكان الناس يرحلون إليه.
ثامناً: وهنا خلط يقع بين لقبين ابن يسار وابن يسار ولا يكاد بعض العلماء أو المحققين أي يبين المراد بأن يسار هذا.
وهنا أبين ما يلي: ان هناك إماماً هو عطاء ابن يسار يكنى بأبي محمد روى عنه كثير من التابعين وكان مفتيا لأهل مكة وكان كثير العبادة والورع، وكان يكره السمعة ويهرب منها وهو ثقة ثبت ويعتبر في عداد الفقهاء.
تاسعاً: أما الثاني فهو الإمام سليمان بن يسار الامام المعروف جمع بين العلم والعمل، وكان العلماء يأتون اليه وكان كثير الورع روى عنه كثير من التابعين وكان مجاب الدعوة.
عاشراً: ابو الحجاج المخزومي وهذه الكنية اشتهرت عند كثير من علماء التفسير والتحقيق وكتب الادب، وإذا أطلقت هذه الكنية فإنما المراد به مجاهد بن جبر المكي المفسر الذي لازم ابن عباس ورأى كثيرا من الصحابة وأخذ عنه المفسرون ما نقله عن ابن عباس وغيره من الصحابة وهو ثقة حجة.
الحادي عشر: ابو عبدالله ابن أبي مسلم أو إن شئت فقل ابو عبدالله الهذلي فأي من هذا او ذاك يقوم فإذا اطلقت هذه الكنية او تلك فإنما المقصود به إمام اهل المشرق الشام وما حولها إمام ثقة كثير العبادة والورع.
الثاني عشر: الإمام الحافظ والقاضي المعروف ابو عمر الكندي مشهور عند عامة أهل التحقيق والعلم والادب وقد نسبه بعضهم الى قبيله (عتيبة) وليس هو من عتيبة وإنما عتيبة ترجع الى هوازن وهي قبيلة حجازية وانما هذا الامام من أهل الكوفة ولد فيها وعاش وهو الامام (الحكم بن عتيبة بضم العين) ثقة ثبت حجة روى عنها كثير من أهل العلم كما روى عنه كثير من اصحاب الكتب الستة وغيرهم من المحدثين.
ولعل هذا مني على هذا الوجه يصل الى كثير ممن يهتم بالبحث والتحقيق والنظر فلا يقع عندهم هناك شيء من الاختلاط فيما عساه قد يقع دون قصد. وانما أردت ان التأني وطول النفس وعمق النظر وشدة المراجعة وسؤال اهل الاختصاص المتقنين له هذا لعله من اللازب ومن ضروريات الامانة التي يقتضيها البحث والنظر والى الآتي إن شاء الله تعالى.