رمضان جريدي العنزي
يحتاج الكذابون إلى قدرات متنوعة ذهنية وذاكرة قوية وتفكير عميق وذكاء، مع منطق وخيال واسع، ليخلصون إلى تبريرات مقبولة ومقنعة، كما يملك الكذابون قدرات نفسية وانفعالية ومزاجية مثل القدرة على التحكم بمشاعرهم وتعبيرات وجوههم وتصرفاتهم وتكييفها حسب الوضع والمبتغى والمراد عندما يتهيأون للكذب..
.. وهذه القدرات اللازمة للكذب يجب أن يرافقها استعداد أخلاقي ونفسي وتربوي، الكذابون وحدهم يحوزون هذه القدرات التي لا يدانيهم فيها أحد سوى الذين يشبهونهم سلوكاً ولفظاً وأخلاقاً ومجاراة، الكذابون جاهزون دائماً لتقديم الترهات والخطب غير العقلانية والكلام الرخيص والهياط الممل الطويل، تبريراً لأعمال وأفعال وسلوكيات تافهة وباطلة، معظم ما يقوله هؤلاء الكذابون يستلزم التدقيق والتمحيص، وألفاظهم وأقوالهم غالباً ما تشبه الرياح العابرة، أغلبهم استخف بالبشر بلا حياء ولا خجل، وذلك بنسج القصص والحكايا الرمادية الباهتة والمفبركة، لذا نراهم ثابتون عندما يكذبون، لا يرتجف لهم صوت، ولا تتعثر لهم كلمات، بل يملكون القدرة على أن يبدون في مسحة من الصلافة والتجهم، يستعينون بالوقار التمثيلي، لإضفاء الصدقية على كلامهم، حضورهم في المجالس والمناسبات خرافي، فما من مناسبة إلا ونراهم يزاحمون الناس بأجسادهم وأصواتهم، وفق مسرحيات كذب مدوية، وحرفة كلام، وبلاغة بهت، وحركات هزيلة، حتى صارت هذه الأشياء بالنسبة لهم أسلوب حياة ونهجاً لا يمكن الحياد عنه، يطلقون الكلام تلو الكلام، والمفردة تلو المفردة، وهم الذين لا يملكون القدرة على الفعل والعمل والوفاء، سوى ذر الرماد في عيون الناس، فاشلون يحاولون إيجاد مخارج حقيقية لأزماتهم المزمنة، وفق رؤى خلاقة ومبتكرة، رغم بنيتهم التحتية الخربة والمنهارة، الناجحون وحدهم يتقدمون ويفلحون، وهؤلاء المتلبسون بثقافة الكذب والهياط الأجوف مكانك سر، الفشل في حد ذاته هدية لهم لأنهم يستحقونه بجدارة مع مرتبة الشرف الأولى، هؤلاء يعيشون أكاذيبهم الكثيرة والكبيرة، ولديهم حس التملق والفهلوة والسيركية التامة، وليس عندهم شعور الامتعاض أو الحياء، ولا تأنيب الضمير، ولا بياض الروح، أو نقاء السريرة، تلبسهم الكذب وأعمى بصرهم وبصيرتهم، حتى انزلقوا في سلوكيات بشعة، أسفرت عن قبح ودونية وقصور، مقدمين نموذجاً صارخاً عن النفاق والرياء الذي يرتدون عباءته بكل إتقان وإجادة، ولا يتورعون عن ارتكاب أبشع معاصي حبك الرواية الكاذبة، والقصة التافهة، والكلام الباهت واللا معقول، زيفاً وتزويراً وتلفيقاً وابتداعاً وإنشاءً، من يشك في قولي هذا، فليتفقد فعل ومنطق وسلوك وحركات هؤلاء في المناسبات أياً كانت، سيجد ممارسة الكذب الكبير وفق أبجدية صارخة مؤطراً بهياط عالي اللون، ودقيق الصفاء والجودة، لهؤلاء الأفاكون شلليةمحسوبية وروابط رفاقية، يقفون وراء بعضهم البعض، يآزرون بعضهم البعض، ويدافعون بشراهة عن بعضهم البعض، ويهنئون بعضهم البعض، تحولوا إلى عوامل تعرية وهدم وتشويه وإزالة، ومسلسلاَ طويلاَ من نسج الأكاذيب والأضاليل والترهات، فاشلون يؤطرون للفشل والنكوص والتخلف، عقولهم طين لازب، وأتربة خانقة، ويعيشون في شعب ظلام دامس، ويعانون من الأمرين، ونسبة الأمية والجهل المركب فيهم عالية، فإلى أين هؤلاء ذاهبون؟ وإلى أي مدى يريدون أن يوصلون؟ وهل هناك أسوأ حالاً مما هم فيه؟ إنني أقول لهؤلاء أصحاب المسرحيات الباهتة، الذين يخلطون حابل الخبر بنابل الحقيقة، والصحيح بالملفق، والمواقف المقلوبة بالمواقف الصحيحة، وأخضر الصدق بأسود الكذب، والأسطورة بالحقيقة الثابتة، والخرافة باليقين، وقبح القيل ورماد القال ببياض الحال، دعوا الكذب فإنه منتن، وترجلوا من خيولكم الكسيحة العرجاء، لأنها حتماً ستتعثر بكم وتسقطكم من على ظهورها السقيمة النحيلة، وسيلفظكم الناس، ويسلقونكم بألسنة حداد جراء أعمالكم الدرامية الوصولية الكاذبة الباهتة، وساعة الحساب عند رب الحساب لن ينفعكم كذبكم ودجلكم ونفاقكم وتطبيلكم وتزويركم للحقائق وإيهامكم للناس من أجل سمعة ومنافع ومطامع ومكاسب دنيوية زائلة.