رمضان جريدي العنزي
أصـبـحـت بعض القرود الجاحدة تتقافز هذه الأيام في الحدائق الخلفية الصفراء، ترتع في أرض السكراب، وتتجول في سوق الخردة والقطع العتيقة، يسيرون بلا دليل، تأخذهم المتاهة نحو المتاهة، مطرزين بالتعاسة، لقد غدوا للسحت والبهت والخيبة أسرى ورهينة، صاروا مثل صفيق يريد التعري، فلا شيء فيه يغري، قرود مجنونة، تركوا التفاح وصناديق البرتقال وعرائش العنب، وجاؤوا بالبلاهة والدلاخة، ويقذفون من أفواههم الرداءة والبذاءة، لا شيء عندهم يباع أو يشترى، سوى صراخ البغاة العتاة، سادرون بشحوب يشبه شحوب الآفلين، يتهجون أول الحرف، لا يغويهم رذاذ الغيمة، ولا شكل النوارس، ويسكنون بين الرماد والرماد، لا صباحهم يضيء الأراك، وأوهامهم لوحات دامعة، خاسرون بانتظار الجوائز، سادرون في الغي، يلوحون للذاهبات إلى الحانات وشواطئ العهر والتعري، ويلقون خطابات كسيحة، كلام من قيح ودبق، ومفرداتهم ليست فارهة كالذهب، لا حقولهم حقول، ولا خيولهم هي الخيول، أقدامهم تتأوه بالإعياء، لا عندهم حبل وصال، بل حبال نفاق وجفاء ورياء، منكسرين الخطى، يرجون العزاء، هزمهم الشك، وأثقلهم العناء، لا يعرفون الماء واللون والحرف البياض، سواد في سواد في سواد، يحملون في أصواتهم غثاء لا يشبه الغناء، لقد راح هؤلاء الذين يشبهون القرود منذ أمد يسيئون لوطننا قيادة ومجتمعاً تاريخاً وإرثاً وسمعة وإنجازاً، وأخذوا يمارس هواياتها البهلوانية غير المتوازنة في الافتراء والتلفيق، مرة بأسمائها الصريحة ومرة بأسماء ملفقة، ليبثوا سمومهم، أمراضهم، وأوبئتهم، ينشرون الأكاذيب، ويمارسون الضجيج والقهقهة، لقد سلكت هذه القرود البشرية المنتوفة الحواجب المسالك الرخيصة لإظهار شجاعتها الهلامية من وراء حواجز أجهزة التواصل، وسعت لتصفية حساباتها الكاذبة الرخيصة، متخذة الكذب والبهتان والتلفيق غطاء لبث سمومهما وعهرها، لقد قام بعضهم البغيض هذه الأيام بحملات تشهير رخيصة تستهدف وطناً الأشم، وقيادتنا الباسلة، من خلال ممارسة الكتابة الباهتة، ليعبروا بذلك عن إفلاسهم الأخلاقي، وقصورهم الإنساني، وكأنهم على حد قول النابغة الذبياني (وجوه قرود تبتغي من تجادع)، لاشك أن الإنترنت بكل مواقعه هو الغابة المفضلة لهذه القرود النافرة، فهو الفضاء الرحب، المفتوح المساحات، المتسع الآفاق، حيث لا حدود فاصلة بين الصح والخطأ وفق المنظور الديني والأخلاقي والعرفي، وهكذا وجد فيه ضعاف النفوس ضالتهم في الإفات مما يحسبوه نجاحاً وفلاحاً، فأتاح لهم ذلك متنفساً كما يعتقدون غياً وبهتاً وفتنة، أن الإنترنت أتاح لهذه القرود المتظاهرة بالشجاعة البوح بما يستبطنونه من حقد وعفن وسواد وضغينة، والتصريح بهذه العناوين من دون حياء، ناسين ومتناسين البذل والعطاء وفق سخاء لا حدود له منح لهم، أن هذه القرود المنتوفة الحواجب شخصية كارتونية، ساقتهم رياح الصدفة أن يعرفوا كيف يتعلمون بعضاً من أبجدية الحرف، ولغة الهجاء، لقد شنوا على وطني وقيادتي ومجتمعي أبشع صنوف الكلام، بعيداً عن لغة العفة والنزاهة والشرف والاستقامة، فغرقوا في أوحال الكراهية، وغاصوا في مستنقعات التخبط والثرثرة الفارغة، فأي شجاعة هذه التي يختبئ فيها الإنسان خلف دروع الإنترنت والأسماء المستعارة؟ ويلوذ بالهويات المزيفة؟ وأي شجاعة تظهرها هذه الفئة المختبئة في العتمة؟ وأي رجولة ووفاء حين ينكرون العطاء؟، أن هذه الممارسات المتلونة البشعة تنم عن حقد دفين في نفوس هؤلاء الجهلة المرضى، الذين لبسوا جلود القرود المنفلتة، والذين آثروا الاختباء في الظلمة، والسكون في الدهاليز المعتمة، والافتراء على الأحياء والأموات، لهؤلاء أقول: موتوا بغيظكم فلن يسمعكم أحد، ولن يصدقكم أحد، ولن يلتفت لكم أحد، ولن يعيركم أحد، ولن يكتب لكم النجاح، ولن تعرفوا طريق الفلاح، لأن من رضع حليب الجحود والنكران، لدية القدرة الكافية في أن ينفث سمومه وحقده بلا حياء، ولديه الإمكانية التامة في كيفية زرع الأشواك في طرق البياض والبهاء.