د. محمد عبدالله الخازم
عندما كتبت عن الهدر في جامعاتنا، جاءت إجابة المسؤول بأن جل الميزانية يُصرف على المستشفيات الجامعية، وليس فقط على الجوانب الأكاديمية. لن أعيد موضوع ميزانيات الجامعات وكفاءة الأداء، لكنني أستخدم ذلك مدخلاً للإشارة إلى كون الجامعة، رغم وجود كليات إدارة الأعمال والقانون والطب، ورغم خبرتها الكبيرة، لم تطور الأداء التنظيمي والتشغيلي للمستشفيات الجامعية، مما عزز الصورة النمطية عن الجامعة بأنها تجيد التنظير للجهات الأخرى لكنها لا تصلح داخلها.
كتبت لأول مرة عن المستشفيات الجامعية عام 1999م ورغم التكرار فإنها تتراجع في أنظمتها أو لنقل إنها تعاني الجمود عند الفكرة أو الطريقة الأولى التي أُسست بها قبل أكثر من نصف قرن. وبمناسبة إقامة جامعة الملك خالد لورشة عمل حول الأنظمة الصحية الجامعية، فإنني أكرر ما طالبت به قبل أكثر من خمسة عشر عاماً؛ يجب إعادة تنظيم المستشفى الجامعي بمنحه الاستقلالية المالية والإدارية التنفيذية عن الجامعة وعن كلية الطب.
النموذج الحالي بأغلب مستشفياتنا الجامعية هو نموذج التملك الكامل للمستشفى الجامعي والإشراف الكامل عليه من قبل كلية الطب، وهذا النموذج لم يعد مناسباً بصيغته الحالية، لأنه (1) جعل ميزانية المستشفى مرتبطة بميزانية الجامعة وبالتالي تأثيره على ميزانية الجامعة والعكس، رغم اختلاف طبيعة أداء الخدمة الطبية مقارنة بالخدمة الأكاديمية في كليات الجامعة المختلفة. و(2) قاد إلى افتقاد المستشفى الجامعي لنظام الحوكمة المناسب، و(3) قاد إلى تولي الأكاديمي إدارة المستشفى رغم أن الإدارة التنفيذية لها مواصفات يفترض أن تختلف عن مواصفات العمل الأكاديمي، و(4) قاد إلى عدم الاستقرار والتطوير في المستشفى الجامعي باعتبار أن منصب عميد الكلية محدود بسنتين قابلة للتجديد وهي فترة قصيرة في العمل التنفيذي، و(5) أدى إلى عدم ضبط أداء وتواجد وعمل الاستشاريين أعضاء هيئة التدريس باعتبار مرجعيتهم الأكاديمية التي تمنع محاسبتهم من قبل الإدارة التنفيذية المباشرة، و(6) أدى إلى تواضع تطوير الموارد الذاتية للمستشفى الجامعي.
أعتقد أنه يجب البحث عن نموذج مختلف لإدارة المستشفى الجامعي بالنظر في التجارب الدولية والمحلية الأخرى. على سبيل المثال؛ في الجامعات الكندية غالباً لا يوجد مستشفى جامعي وإنما تستخدم مستشفيات المدينة أو المنطقة كمستشفيات تعليمية وفق عقود مشتركة، ووفق تمثيل في مجالس الإدارة، وعقود مقننة مع الأطباء والمدير التنفيذي للمستشفى لديه السلطات التنفيذية داخل المستشفى بينما عميد كلية الطب لديه الصلاحيات الأكاديمية في كليته. بينما نجد النماذج الأمريكية متنوعة فبعضها يتجه إلى تخصيص المراكز الأكاديمية وتحويلها إلى قطاعات عمل منتجة وبعضها لا تزال الجامعة تملك مركزها الطبي الأكاديمي، لكن وفق إدارة تنفيذية محترفة وليس وفق معاملته ككلية وكجزء من كلية الطب. أحد النماذج يتمثل في فصل ممول الخدمة عن مقدمها عبر إنشاء صندوق صحي للخدمات الصحية الجامعية، ومن ثم إدارة المستشفى الجامعي وفق عقلية اقتصادية كمستشفى يحصل على ميزانية نظير الخدمة الصحية الحقيقية التي يقدمها.
محلياً، هناك برامج التشغيل الذاتي، وبرغم التحفظات حوله يبقى أفضل من النموذج الحالي للمستشفيات الجامعية، وبالذات في حال طوّر بشكل أفضل في ما يخص الاستقلالية المالية والمرجعية الحاكمية للمستشفى ووضع نظام تعاقدي مقنن لعمل أكاديمي الطب بالعمل بالمستشفى، والعكس.
شخصياً أعتبره حلماً لو استطعنا فصل المستشفيات الجامعية عن الجامعة عامة وتم التحول لنموذج المستشفى التعليمي، الذي من خلاله تتوسع دائرة المستشفيات التعليمية بالمدينة الواحدة ولا تعد مقتصرة على مستشفى واحد.
قبل سنوات اقترحت عقد ورشة عمل تشترك فيها وزارات المالية والصحة ومن الجامعات والمستشفيات الكبرى الأخرى، كالتخصصي والحرس والمدن الطبية، وهيئة التخصصات الصحية، لبحث مختلف أساليب الإدارة والتمويل والتشغيل للمستشفيات الجامعية والخروج بأفضل التصورات في هذا الشأن. شكلت لجان بصيغ مقاربة أو مختلفة لكن فكر الطبيب عميد الكلية المشرف على المستشفى الجامعي، غير القادر على الخروج من صندوق التفكير المحلي في إدارة المستشفيات الجامعية ظل مسيطراً عليها. أرجو أن تأتي ندوة الأنظمة الصحية الجامعية كبداية لبحث جاد عن مستقبل المستشفيات الجامعية والتعليمية.