د. محمد عبدالله الخازم
وزارة التعليم تقر تخفيض نسبة القبول بكليات التربية بنسبة خمسين في المائة وترفع مستوى معايير القبول. هذه خطوة ممتازة حيث لامست أهم إشكالية في التعليم وتتمثل في مستوى المعلم وتحسن مستوى المعلم يبدأ من اختياره منذ الأساس. مع تأييدي لمثل هذه الخطوة أرى ضرورة دعمها بشكل أكبر ليكتب لها النجاح.
يجب أن ندرك أن هذه الخطوة سينتج عنها معارضات وضغوطات أهمها تتمثل في كون كليات التربية كانت المستقطب الرئيس لفئة كبيرة من خريجي المرحلة الثانوية ذوي المعدلات الضعيفة، وستأتي مواسم القبول الجامعي محملة بالضغوطات لإعاة النظر في القرار. لذلك أرى أن يكون القرار ضمن استعداد واستراتيجية شاملة تبحث في أين يذهب هؤلاء الذين لن يتم قبولهم بكليات التربية؟ هل تستوعبهم الكليات الأخرى وهنا سننقل مشكلة الضعف من مجال لآخر أم سيتم توجيههم للتعليم التقني أم العسكري؟
الأرقام تشير إلى أن لدينا تضخم في أعداد المقبولين بالجامعات تأتي على حساب التوجه نحو التدريب التقني والفني، لكن هنا سنواجه مشكلة أخرى تتمثل في هذا الفائض من خريجي القسم الأدبي بالمرحلة الثانوية والذين لا يصلحون سوى لكليات التربية والآداب والشريعة وما في حكمها. قضية إصلاح التعليم الثانوي، معضلة أخرى تواجه وزارة التعليم، لأن هذه المرحلة تمثل عنق الزجاجة نحو مستقبل التنمية البشرية، حيث بعدها يحدد المستقبل للشاب أو الشابة السعودية.
إذا سيكون من المهم البحث في استراتيجية تتجه نحو تقليص الملتحقين بالقسم الأدبي بالمرحلة الثانوية والدفع بالمزيد من خريجي المراحل الثانوية نحو التعليم التقني. بالطبع مع المطالبة بتحسين التعليم التقني ليكون تطبيقياً وجاذباً لجهات التوظيف. والشيء بالشيء يذكر؛ يجب إعادة دراسة علاقة مؤسسة التعليم التقني بوزارة التعليم.
معالي وزير التعليم بهذا القرار يضع كليات التربية أمام تحدي التطوير. لم تعد تصبح حجة ضعف الطلاب أو ضخامة الأعداد مبرراً لتواضع أداء كليات التربية. كليات التربية بحاجة إلى التحول إلى كليات معنية بتخريج المعلمين والمعلمات المؤهلين. هي بحاجة إلى تطور الجوانب التطبيقية في مناهجها وأن تتحول أهدافها من كليات تعنى بعلوم التعليم ونظرياته فقط إلى كليات مؤهلة للتربوي/ المعلم المتميز، حتى ولو امتدت دراستها سنة إضافية. لذلك أرى أنه يجب أن تتاح المبادرة بكليات التربية للفكر الحديث في مجال التعليم التربوي وتعليم المعلمين وتقليص قبضة الفكر التقليدي المقاوم لعملية التطوير والتحديث بالكليات التربوية. يجب أن يكون هناك أولوية في الابتعاث والتدريب والتعاون الدولي في نقل المناهج والخبرات لكليات التربية والمعلمين. أشير إلى ذلك لأن الملاحظة المؤسفة أن كليات التربية السعودية تعاني التجديد والتطوير بسبب انغلاقها على الفكر المحلي أو ذلك القديم الذي تخصص في جامعات عالمية قبل عقود من الزمن، وأصبح يكرر نفسه على الدوام ويسهم في ضخ مخرجات متواضعة سواء على مستوى البكالوريس أو الدراسات العليا...
فكرة أخرى أطرحها في المجال التربوي تتمثل في إيجاد برامج لا تقل عن سنتين -تتجاوز مجرد الدبلوم التربوي الحالي بوضعه المتواضع- كمسار لمن يرغب في الالتحاق بالتعليم من خريجي الكليات الأخرى العلمية والأدبية. بمعنى أن يصبح هناك مساران لتأهيل المعلم إما عن طريق التحاقه بكلية التربية بعد المرحلة الثانوية مباشرةً أو بعد مرحلة جامعية سابقة. ربما يأتي يوم نلغي فيه مسار الالتحاق بكلية التربية لخريجي المرحلة الثانوية لتصبح دراسات عليا، لا يدخلها سوى من وصل مرحلة النضج الكافي لاختيار مستقبله وبلغ مرحلة مقبولة من التفكير النقدي والعلمي، أسوة بما يحصل في بعض الدول المتقدمة التي أصبح الحد الأدنى لتأهيل المعلم لديها هو مرحلة الماجستير، حيث جعلت المسار التربوي يأتي كمرحلة دراسات عليا بعد الحصول على درجة علمية سابقة، وفق شروط ومواصفات محددة.
أكرر ترحيبي بتخفيض أعداد القبول بكليات التربية ورفع شروط القبول، مع التأكيد على أن فكرة تطوير التعليم التربوي تحتاج خطوات أخرى يجب أن نواصل على تفعيلها...