فادي إبراهيم الذهبي ">
يحفل التاريخ برجال كان بوسعهم غزو العالم لوتمكنوا من غزو أنفسهم. كان «نابليون» قائدًا عسكريًا عبقريًا، ولكن تسببت عجرفته في هزيمته، وكان «هنري الثامن» قائداً ذكيًا متعدد المهارات، لكن شهوته أدت إلى انغماسه في النساء، وإفراطه في تناول الطعام ومعاناته من انحرافات مزاجية عنيفة أوشكت على القضاء على الخزائن الإنجليزية وتدهورهم, فلا يختلف المديرون أيضاً عندما يسمحون للشر بالقضاء على أفضل ما لديهم.. فجنون الاضطهاد هو ما قضى على «نيكسون».. أما «ماريون باري جونيور» الذي شغل منصب عمدة «واشنطن»، فقد ضاع مستقبله بسبب إدمان الكوكايين، وأدت سمعة «جون ماكين»، سيناتور «آريزونا»، كمنشق شديد الحماس، إلى إعجاب المصوتين المستقلين به عند ترشحه لمنصب الرئاسة، في حين اعتبره آخرون شخصًا متقلب المزاج لا يمكنه السيطرة على أعصابه.. تلك نماذج من الشخصيات العامة.
وفي القطاع الخاص تتم إقالة المديرين التنفيذيين الذين لا يتحكمون بجماح غضبهم أو يدمنون المخدرات والمسكرات أو يعانون من تقلب المزاج, دائمًا على القادة إدراك نقاط ضعفهم، كما يدركون نقاط قوتهم، وأن يكونوا قادرين على الاستماع للآخرين والانفتاح على أفكار جديدة. عليهم مواجهة تحديات جديدة، وإحسان التعامل مع كل أنماط الشخصيات تتطلب هذه السلوكيات عقلاً ناضجًا ومنضبطًا، فكلنا نعاني من عيوب، ونواجه أيضا فرصًا للنضج، لكن مواجهة عيوبنا تتطلب جهدًا كبيرًا ففي أغلب الأحيان نخفى العيوب الشخصية على الناس، لكنها تظهر في إطار الأسرة أو تظل كامنة في أفكارنا الخاصة، وحتى في العمل أو الأطر الاجتماعية.
قد لا تبدو المشكلات العاطفية الإدارية خطيرة جداً، رغم تحمل المسؤولية والضغط الذي يتعرض له القادة الإداريون الذين يعملون تحت رقابة دقيقة ويواجهون متطلبات متعدده, وبالتالي يكون لمستوى ذكاء القائد العاطفي تأثير هائل، وبدون هذا الذكاء لا تكفي كل من الحماس والرؤية والمعرفة لمساعدة القائد على النجاح فيشير الذكاء العاطفي إلى مهارات التفوق الذاتي والقدرة على إدراك الصلة بين ما نشعر به وما نفعله، والتحكم في هذه الصلة وتطويرها، فالتفهم هو قدرة المرء على ملاحظة الملامح العاطفية والنفسية للآخرين.. أما الذكاء العاطفي، فيشير إلى قدرة الشخص على إدراك مشاعره الخاصة ومشاعر المجتمع الذي حوله.
لقد حظي الذكاء العاطفي باهتمام كبير مؤخرًا, حيث يعتبره الكاتب «دانيال جولمان» مؤلف كتاب الذكاء العاطفي أنه من أهم مكونات القيادة! فقد حلل نماذج من 188 شركة، وتوصل إلى أن تأثير الذكاء العاطفي على الأداء أقوى مرتين من المهارات الفنية أو القدرات المعرفية. ويتفق خبراء آخرون على أن الذكاء العاطفي سمة مهمة من سمات القيادة الفعالة ووسيلة تنبؤ رئيسية للنجاح في القيادة.
لكن هل الذكاء العاطفي موهبة أم أنها تأتي من تراكم خبرات حياتية وعملية؟ باعتقادي أنها الاثنتين معاً مع أنني أميل وبشكل كبير الى الخيار الثاني وهو تراكم الخبرات التي تصقل بموهبة ذاتية من الله سبحانه وتعالى. من أجل ذلك نرى أن المديرين ذوي الخبرة يحددون قدرات موظفيهم من خلال الجلسات الأولى ومن خلال عناوين عريضة في أعمالهم إضافة إلى شخصياتهم وأسلوب حديثهم ووعيهم لما يدور حولهم, لكن الفشل يقع في الإدارة عند المزج بين الارتياح الشخصي للموظف وبين كفاءة خط الإنتاج لموظف آخر, هنا للذكاء العاطفي النصيب الأكبر في احتواء الموقف.