فيينا - الجزيرة:
خلصت ندوة رفيعة المستوى، نظَّمها واستضافها صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) في مقره بفيينَّا، ضمن جملة فعالياتٍ يقيمها احتفاءً بالذكرى الأربعين لتأسيسه؛ إلى أنَّ من المتعيِّن على الإجراءات الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي أن تهتم بتقوية الشراكة والتعاون بين جميع الأطراف المعنية فضلاً عن الانتفاع بالتكنولوجيا والابتكارات.
في الوقت الذي فيه يعاني واحدٌ من كل تسعة أشخاصٍ على هذا الكوكب من الجوع، لا يزال الأمن الغذائي أحد أبرز التحديات التي تواجه العالم اليوم. وليس أدلَّ على أهمية الأمن الغذائي من إدراجه ضمن أهداف التنمية المستدامة التي أُقرَّت في العام المنصرم، إذ يسعى ثاني تلك الأهداف إلى القضاء على الجوع في العالم بحلول عام 2030.
كان موضوع الندوة « تحديات الأمن الغذائي طويلة الأمد»، وأولت اهتماماً خاصاً للشرق الأوسط وأفريقيا. وقد رأس الندوة السيد لي يونغ، مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO، وحضرها عدد من سفراء الدول الأعضاء في (أوفيد)، والبلدان العربية، بالإضافة إلى رؤساء عدد من المنظمات الدولية التي تتخذ من فيينَّا مقرَّاً لها.
كان من بين المتحدثين الرئيسيين السيد محمود الصلح، مدير عام مركز البحوث الزراعية في المناطق الجافة ICARDA، مصحوباً بثلاثةِ معقِّبين، هم الدكتورة إسمهان الوافي، مدير عام المركز الدولي للزراعة الملحية ICBA، والسيد بارفيندار سينغ، مدير الصندوق المشترك للسلع الأساسية CFC، والسفيرة أميرة داود حسن قرناص، رئيسة لجنة الأمن الغذائي العالمي CFS.
في خطابه الافتتاحي، أكَّد مدير عام (أوفيد) سليمان الحربش أهمية كلٍّ من الطاقة والمياه والغذاء للرفاه الإنساني والحد من الفقر والأمن الغذائي، فضلاً عن الترابط الوثيق بينها. وقال الحربش «إنَّ عدم إيلاء هذه التفاعلات الاهتمام المتوجب لها كثيراً ما يفضي إلى سياساتٍ تؤدي إلى نشوء المخاطر، والاستخدام غير الملائم للموارد، وهو ما يتسبب في عواقب غير محسوبة تطال القطاعات الثلاثة».
وفي سياق ملاحظاته بوصفه رئيساً للاجتماع، عرض السيد لي يونغ إلى مسألة ربط الزراعة بالتصنيع بُغيةَ تعزيز الأمن الغذائي العالمي. واستناداً إلى تجربة بلاده، الصين، فقد أكَّد أهمية القيادة وإصلاح السياسيات التي تدعم القطاع الزراعي.
وبيَّن المتحدث الرئيسي السيد محمود الصلح أنَّ التزايد السكاني العالمي، ولاسيما مصحوباً بالتغير المناخي وندرة المياه؛ يفرض تحدياتٍ جمَّة على تحقيق الأمن الغذائي العالمي. بيد أنَّه استدرك قائلاً إنَّ ثمة فرصاً للقضاء على الجوع، ومن بينها التكنولوجيات المتعلقة بتحسين المحاصيل، والإدارةِ المُثلى للأراضي والمياه، وجَسرِ الفجوة بين كمية غِلال القمح التي يمكن جنيُها والكمية التي يتم إنتاجها بالفعل، وتطوير خطط متكاملة لتربية المواشي والمراعي وإنتاج المحاصيل في الأراضي الهامشية.
بوصفها إحدى المعقِّبين، أكَّدت الدكتورة الوافي من مركز ICBA ضرورة الابتكار الذي ينبغي أن يشمل أيضاً الطرائق غير التقليدية لإنتاج الغذاء، بما في ذلك احتمالات الاستفادة من الأراضي الهامشية حيث يعيش نحو نصف الجوعى في العالم، الذين يبلغ عددهم ثمانمئة مليون إنسان. واقترحت أيضاً استخدام مصادر المياه غير التقليدية، خلافاً للمعهود من استخدام المياه العذبة السطحية أو المياه الجوفية، كاستخدام مياه البحر لأغراض الري، واستعمال المياه العادمة ذات المنشأ الحضري بعد معالجتها في ري الخضراوات.
وقال المعقب الثاني، السيد بارفيندار سينغ من CFC، أثناء مداخلته إنَّ الأمن الغذائي المستدام يتطلب سلسلة إمداد فعَّالة بين الحقل والمائدة. ويتضمَّن هذا تحسين إدارة مصادر المياه بالإضافة إلى الاستخدام الفعَّال للطاقة والتربة. وأكَّد كذلك على أهمية استثمار القطاع الخاص في الزراعة المستدامة، وبخاصة من خلال تعزيز سياسات الحوافز، من مثل إنشاء مؤسسات للادخار وإقراض المزارعين، تُكمِّلها إجراءات لإدارة المخاطر غرضها حماية المزارعين والتجار.
وقد تحدثت ثالثة المعقبين، السفيرة قرناص من CFS، عن القيمة الكبرى لإشراك جميع الأطراف ذات المصلحة في وضع السياسات وفي الحوار بشأنها. ويمكن ألا يقتصر هذا على الحكومات وحسب، وأن يمتد ليشمل فاعلين آخرين كالقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات البحوث. وذكرت كذلك الحاجة إلى القيام بمساعٍ جدية من أجل التقليل من فاقد الغذاء في سلسلة الإمداد بين الإنتاج والتصنيع وصولاً إلى البيع، وهو فاقدٌ يتراوح معدل نسبته بين ثلاثين وأربعين في المئة.
وتوافق المشاركون على العمل المشترك وبناء شراكات متينة، بما في ذلك ما يتعلق بإشراك القطاع الخاص، من أجل القضاء على الفقر والجوع انسجاماً مع غايات برنامج التنمية حتى عام 2030.