يوسف المحيميد
كما استعار وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى عنوان محاضرة وزير التعليم السابق الدكتور محمد بن أحمد الرشيد -يرحمه الله- التي ألقاها على مسرح جامعة الملك سعود، أجدني مضطراً إلى استخدام العنوان ذاته؛ لبلاغته أولاً، ولمصداقية التساؤل فيه ثانياً، إضافة إلى دقة تشخيص الحالة التعليمية وتحليلها في المقال الذي سأعلق عليه، المنشور بجريدة الحياة الأحد الماضي لوزير التعليم الدكتور العيسى.
في تعليمنا، لا استقرار، ولا انضباط، ولا تدريب، ولا تطوير، ولا إعادة تأهيل... تخيلوا هذا النقد الصريح، والصادم، ليس حديث كاتب صحفي حر، مثلي وزملائي كتاب الأعمدة في الصحف، بل هو جزء صادق وحميم وجريء من مقال الوزير، ففيه معلومات مهمة للغاية، وأرقام تصيب بالحيرة والدهشة، وتركة ثقيلة لا شك، تحتاج إلى عمل دؤوب ومخلص لانتشال التعليم من ضياعه، لعل الوزير قادر على ذلك، باختيار رجال مخلصين، ومؤمنين بأهمية التعليم في تغيير حياتنا، ونقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة.
هل يعقل أن هناك أكثر من ثلاثين ألف طلب إجازة استثنائية أو إجازة أمومة سنوياً؟ وهل يعقل أن أكثر من 25 بالمائة من مدارسنا في مبان مستأجرة؟ وهل يعقل أن ما يصرف على الأجور والرواتب نحو 91 بالمائة من موازنة وزارة التعليم؟ وهل يعقل أن نحو 42 بالمائة من مدارسنا ينخفض فيها الطلاب عن مائة طالب فقط في المدرسة الواحدة؟ وهل يعقل أن تكدس المدرسين وصل أن هناك معلما واحدا لكل عشرة طلاب، تنخفض أحيانا إلى معلم لكل خمسة، وهي من أقل النسب في العالم؟.
أما فيما يخص التدريب فحدث ولا حرج، الوضع مزرٍ للغاية، خاصة إذا كنا نحلم بتدريب خارجي الى مستويات عالية، فَلَو أرسلنا ألف معلم سنويا للتدريب الخارجي، سنحتاج إلى 500 عام فقط (يعني خمسة قرون) لكي ينال جميع المعلمين والمعلمات نصيبهم من التدريب الخارجي! فالوضع صعب للغاية كما صورته مقالة الوزير، لكنه ليس مستحيلا، وكل ما تحتاج إليه الوزارة هو العمل الدؤوب المخلص، والمنضبط، والوطني الصادق، للوصول إلى تحقيق الأحلام شيئا فشيئا.
قد يتوجس القارئ من مقالة وزير التعليم، ويتهمه بمحاولة تصوير الوضع التعليمي المتردي، كي لا تتم مساءلته من قبل القيادة أولا، ومن قبل الإعلام والمواطن ثانيا، لكن الوزير لم يترك الأمر مفتوحا، ومما يدعو إلى التفاؤل أن اختتمه بأن الوقت ليس في صالحنا لإضاعته في إعداد استراتيجيات أو دراسات تشخيصية نظرية، بالضبط هذا ما يجب أن نتجاوزه، فنحن بحاجة إلى حلول جذرية وخلاقة سريعة، تقفز على البيروقراطية المعتادة، ولعل الوزير بفهمه ووعيه أهل لذلك، وما عليه إلا أن يحصن ذاته مما قد يصيبه من سهام، واتهامات، وتطاول على شخصه في مواقع التواصل الاجتماعي، ممن تصيبهم التغييرات بحرمان من سلطة أو منفعة كانوا ينتفعون بها من قبل، فقط عليه أن يعمل بنزاهة وشجاعة، كما عرفناه دائما، وهو الذي يدرك جيدًا خضوع التعليم لصراعات التيارات، وتصفية الخلافات الفكرية، مما أفقد تعليمنا فرصة التطور لعقود من السنوات.