أ.د.مساعد بن عبدالله النوح
يختلف قطاع التعليم في أي مجتمع عن القطاعات التنموية الأخرى؛ نظراً لأنه ملازم لجميع أبناء المجتمع على اختلاف أطيافهم وعلى مر سنواتهم العمرية وانتشار مواقعهم الجغرافية، إذ يمثل طلبه حقاً مشروعاً لهم في مراحله الدراسية المتتالية،
وأنواعه المتباينة ويحتوي أعداداً كبيرة من المنتسبين للوظائف التعليمية، لذا تمثل طاقاته البشرية أكبر الطاقات البشرية في قطاعات الدولة، وتصل خدماته كل الأحياء بالمدينة الواحدة، ويجري مراجعة دورية لمكونات نظامه المتعددة والمعقدة.
حاجات قطاع التعليم ومشكلاته وتطلعاته في كل مجتمع متجددة، وتزداد وتيرة التجديد في زمن المتغيرات المعرفية، وثورة التقنية والاتصالات، والتحديات البسيطة والمعقدة، وتنوع خبرات وتجارب ونماذج الدول الرائدة في التعليم. ورغبات قيادات وحكومات وشعوب العالم تضغط على قطاع التعليم؛ لمتابعة متغيرات العصر وتحولات المجتمع.
ويعد قطاع التعليم مرآة عاكسة لإمكانات مجتمعه، ووعي أفراده وجماعاته، فكل النظم التعليمية في المجتمعات المتقدمة والنامية والمتخلفة شهدت جهوداً تطويرية؛ لجعله عند مستوى طموحات جمهوره المستهدف.
وقطاع التعليم في المملكة العربية السعودية مثل أي قطاع تعليمي في أي مجتمع، ليس على حال واحدة في الفترات الماضية والحاضرة، إذ تأثر -ولا يزال- بعوامل عدة وبدرجات متفاوتة واجهت الدولة خلال مراحل: النشأة والتطور ومواجهة التحديات، وكان في كل مرحلة يقدم حلولاً تتناسب وظروفها. وكان يرصد حاجاته وتطلعاته في كل خطة من خطط التنمية حتى الخطة الحالية.
وبمراجعة الكتابات ذات الصلة بهذا القطاع يلاحظ أنه مرن حيث احتوى مشكلاته سواء أكانت تنظيمية أم إدارية أم مالية أم تربوية وذلك بتحديد حزمة حلول وآليات تفعيلها، الأمر الذي يجعل كل باحث موضوعي يصفه بالفعالية. ومن مشكلاته:
واجه مشكلة ندرة المعلم فاحتوى مخرجات معاهد المعلمين والمعلمات، ثم مخرجات الكليات المتوسطة، ثم مخرجات الكليات التربوية وغير التربوية، ثم مخرجات الكليات التي لا تعد في الأصل للتدريس كخريجي الإعلام والسياسة والزراعة وإدارة الأعمال ونحوها وتمت مواجهة هذه المشكلة باقتدار، ولا يزال يقابل كل قصور يتعلق بالمعلم.
وصادف مشكلة قلة المباني المدرسية بحلول ملائمة مع درجة الحاجة، فأوجد المباني المستأجرة، واستمر في التوسع في استحداث المباني المدرسية في كل رقعة جغرافية من بلادنا الذي يوصف بأنه قارة، ويساند وزارة التعليم الميسورون في نشر المجمعات المدرسية بمختلف المراحل الدراسية وللجنسين، ولا يزال يواجه هذه المشكلة رغم تمتد المدينة الواحدة طولاً وعرضاً.
وقابل مشكلة حجم الموازنة السنوية المخصصة له، فقد كانت 130 ألف ريال عام 1945، أي بنسبة 6.5 % من ميزانية الدولة، ثم تحولت إلى 122 مليون ريال عام 1960، أي بنسبة 16.5 %، فصعدت إلى 16 بليون ريال عام 1980، أي بنسبة 10.2%، ثم قفزت قفزة فلكية، إذ أصبحت 191 ملياراً و695 مليون ريال في عام 2016، ناهيك عن الدعم في الحالات الاستثنائية، ولا يزال يتلقى الدعم الحكومي بكل سخاء.
وجعل طلب التعليم الحكومي مجانياً أي بتمويل كامل من الدولة، وقدم دعماً كاملاً للراغبين في الجامعات والكليات الأهلية؛ لتذليل مشكلة كلفة التعليم العالية. وتوقف عند مشكلة قلة توطين الوظائف التعليمية، فبعد أن كان المعلم السعودي يمثل قلة في الوظائف التعليمية في فترات، أضحى يمثل الأغلبية لشاغلي الوظائف التعليمية، والحال نفسها للمعلمات في مراحل دراسية عدة.
وحزم في مشكلة ندرة القيادات التربوية المؤهلة، فبعد أن كان الحاصلون على درجة البكالوريوس يمثلون قلة، أصبحت هذه القيادات تتسابق للحصول على قبول في برامج الدراسات العليا لمواصلة تعليمها داخلياً وخارجياً. كما أن قطاع التعليم يدفع بمنسوبيه إلى استثمار فرص الاحتكاك العلمي بأرباب الفكر والقلم والعلم، رغبة منه في تطوير إمكاناتهم الفكرية والمعرفية.
ووحّد مشكلة تعدد الجهات المشرفة على مراحل وأنواع التعليم، والذي كان له تبعات ألحقت أضراراً بمصالح المواطنين، حتى تم اختزالها في جهة واحدة هي وزارة التعليم، حيث ساعدت على إنجاز الأعمال أولاً بأول.
وعالج قطاع التعليم مظاهر الهدر التربوي في مراحله وأنواعه من رسوب وتسرب وانقطاع وضعف دراسي وغياب وذلك بدراسة أسبابها وأبعادها ووضع الحلول لها.
وشجع على تضييق الهوة بين البيت والمدرسة، فأقامت المدارس مجالس للآباء والأمهات بصورة منتظمة في كل عام؛ لخلق مظهر من مظاهر الشراكة المجتمعية.
وقابل الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم للبنين والبنات على حد سواء فتوسع في استحداث الجامعات، فبعد أن كان عدد الجامعات في السعودية يصل 8 جامعات قفز هذا العدد إلى ما يزيد عن 30 جامعة حكومية، بالإضافة إلى الجامعات والكليات الأهلية.
ووفّق بين مخرجات الجامعات وحاجات سوق العمل المتجددة، فشجع على توليد تخصصات يحتاج إليها المجتمع، وحدّ من القبول في التخصصات التي يقل طلب السوق من مخرجاتها.
وراجع -ولا يزال- دورياً معايير القبول في الجامعات؛ وذلك للانتقاء النوعي للطلاب، وأعني بالنوعي هنا أي المتميزين والمتميزات علمياً. كما راجع المناهج الدراسية دون ملل وكلل؛ لتتواكب مع اتجاهات العلم و توجهاته المستقبلية وتغيرات العصر وتحولات المجتمع.
واهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، وعاملهم مثل نظرائهم الطلاب العاديين في مراحل التعليم وأنواعه المختلفة.
هذه بعض من جهود قطاع التعليم السعودي، فإذا كانت هذه الجهود لا ترقى عند طموحاتنا، فإنها بلا شك تعكس تواضع في رؤانا ورسائلنا وأهدافنا وآليات تفعيلها نحن المنتسبين لهذا القطاع الهام.
بجهودنا غير الواعية أضحى هذا القطاع يضم من لا مهنة له، حتى أنعكس على الأداء التربوي. ولو تمت مراجعة معايير مدخلات كليات التربية ونظام التعليم السعودي، كما هو الحال في الكليات الصحية و الهندسية والعسكرية والقطاعات المماثلة لهذه الكليات، لضمن قطاع التعليم نوعية معينة من المدخلات، تسهم في جعله في صدارة قطاعات التنمية. عقوق من المنتسبين لهذا القطاع التحدث عنه عبر وسائل الإعلام بصورة تقلل من رسالته وجهوده، وتتعاظم هذه العقوق عندما يأتي النقد من عوام العلم ممن لا يدركون طبيعة هذا القطاع المختلفة عن بقية قطاعات الدولة مع أنني لست ضد المكاشفة والمراجعة، كما أنني لست متواضعاً في طموحاتي ورغباتي، لكنني في الوقت الذي أبرز السلبية أبرز الإيجابية.
عجبي ممن يشرب من البئر، ثم يرمي الحجر فيه، وممن يتعلم، ولما يشتد ساعده يرمي مؤدبه، ولو كان التعليم في بلادي يتكلم؛ لتصدعت الجبال الراسيات من همومه التي تسببنا نحن في صياغتها.. وفق الله الجميع.