أ.د.مساعد بن عبدالله النوح
الثقافة السعودية هي جزء من الثقافة الإنسانية والتي تعني ذلك الكل المركب الذي يشتمل على نوعين من العناصر، النوع الأول العناصر المعنوية كالدين واللغة واللهجات والمعرفة والمعتقدات والأخلاق والفنون والتقاليد والإمكانات والعادات والمشكلات وأساليب مواجهتها، والنوع الثاني العناصر المادية كالإنشاءات والآلات والأزياء... إلخ، ويكتسبها الإنسان من خلال تفاعله الاجتماعي باعتباره عضو في مجتمعه؛ لإشباع حاجاته العضوية والعقلية والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية والترويحية.
ومهرجان الجنادرية هو ملتقى ثقافي وتراثي يعكس عناصر الثقافة السعودية، يقام سنوياً في شهري فبراير أو مارس، وكانت الدورة الأولى له في 2 رجب 1405هـ الموافق 24 مارس 1985م، ويبدأ دوره التربوي من حفله الخطابي والفني ويستمر حتى آخر يوم فيه، ويجتذب العديد من الزوار من داخل المملكة العربية السعودية ومن خارجها وتحت إشراف وزارة الحرس الوطني السعودي. والتي احتفلت بدورته الثلاثين في 24 ربيع الثاني 1437هـ الموافق 3 فبراير 2016م.
ومن الأدوار التربوية لمهرجان التراث والثقافة بالجنادرية: التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، وتحقيق التوافق بين العنصر المعنوي للثقافة السعودية وهو الموروث الشعبي والعنصر المادي للثقافة ذاتها وهو الإنجازات الحضارية التي أوجدتها المملكة العربية السعودية، والعمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي، وتشجيع اكتشاف الموروث الشعبي وبلورته بالصياغة والتوظيف في أعمال أدبية وفنية ناجحة، والتعهد بحفظ التراث الثقافي وحمايته من الضياع، والعمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية؛ ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب، وتشجيع دراسة التراث للكشف عن قيم الإنسان السعودي في الأزمنة الماضية، والتعريف بالموروث الشعبي من خلال تمثيل ولعب الأدوار عن الماضي أمام الأجيال المعاصرة.
وإذا كانت الأدوار السابقة هي المعلنة من قبل الجهة المشرفة على مهرجان التراث والثقافة بالجنادرية، فإنه توجد أدوار مستجدة حققها المهرجان على أرض الواقع مثل: مواجهته التحديات الثقافية التي قد تسهم في تخفيض درجة الاهتمام بما يقدم، ومن هذه التحديات:
الانفتاح على الثقافات الأخرى بسبب تقدم وسائل الاتصالات وما تتضمنه من تقنية عالية وهذا يسمى بالعولمة الثقافية. وعلى الرغم من حث ديننا الحنيف على الاستفادة مما لدى المجتمعات الأخرى والتي تتناسب مع تعاليمه السمحة، إلا أن هذا الانفتاح أسهم في شغل مساحة كبيرة من تفكير الجمهور المستهدف ووقتها ولاسيما فئات البراعم والنشء والشباب عن جوهر المادة الثقافية للمهرجان.
ومن الأدوار المستجدة لمهرجان الجنادرية: التأكيد على الخصوصية والتمايز عن الآخرين بوصف الثقافة السعودية تفترق عن الثقافات العربية والخليجية في عناصر أخرى كنوع المشكلات التي تواجه الإنسان السعودي، ونوع الأساليب لمواجهة تلك المشكلات، ولهجاته، ولباسه، ومأكله، وتطلعاته، وطريقة الحياة في المجتمع، أساليب التفكير وأنماط الفكر والتي هي الأخرى تختلف من مكان إلى آخر في المجتمع الواحد.
ومن الأدوار المستجدة: تأكيد المهرجان على أن الإنسان السعودي هو المسيطر الفعلي على عناصر بيئته الطبيعية والباحث عن وسائل الاستفادة منها، والتكيف معها؛ لتحقيق أغراضه المختلفة. فهو الذي جعل من الصحراء بيئات خضراء وأقام عليها مشاريع تنميته الاقتصادية والاجتماعية.
ومن الأدوار التنبيه إلى أن ثقافة الإنسان السعودي تتصف بالديناميكية أي قابلة للإضافة والحذف؛ إذ ليس مقبولاً من مجتمع متحضر وله ثقل في مختلف مجالات العمل على مختلف الصعد لا يخضع معظم عناصر ثقافته المعنوية والمادية للمراجعة الشاملة.
ومن الأدوار تحقيق التكامل الثقافي بين عناصر ثقافة المجتمع السعودي المعنوية والمادية معاً، فالتغطية لفعاليات المهرجان تناولت مختلف العناصر الثقافية بدرجة متوازنة. بمعنى أن اهتمام المهرجان بالعناصر المادية؛ من أجل إبراز تأثيرها على مفاهيم أجيال الأجداد والآباء وعاداتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وتأثير العناصر المعنوية على ضبط الإنتاج على اختلافه تخطيطاً وتنفيذاً وفق نصوص العناصر المعنوية وروحها.
ومن الأدوار التأكيد على أن الثقافة السعودية تتميز بخاصية تراكم الخبرة الإنسانية، إذ إنها لا تهتم بحفظ ونقل التراث الثقافي للأجيال السابقة بل تهتم برصد عناصر خبرة الأجيال المعاصرة وتطلعاتها المستقبلية.
ومنها العمل على نشر ثقافة المجتمع السعودي وهذا تحقق من خلال دعوة ضيوف المهرجان من مختلف الأقطار العربية وغير العربية، وهذا الهدف بدوره هيأ فرصاً للاحتكاك بين ضيوف المهرجان من جهة والوقوف عن قرب على أنشطة المهرجان الفعلية.
هذه بعض من الأدوار التربوية المعلنة والمستجدة لمهرجان الجنادرية والتي تجعل الإنسان السعودي يعيش أجواءً زكية تشتمل على عبق الماضي الجميل، وحياة الحاضر المشرق. وبالتالي يفاخر بثقافته أمام الآخرين سواء أكان داخل مجتمعه أم خارجه.
وهي دعوة مني بمضاعفة زيارة الأجيال المعاصرة: البراعم والنشء والشباب في التعليم العام والعالي؛ لمواجهة الثقافة الوافدة، والتي تتصادم مع مرتكزات ثقافة المجتمع السعودي؛ ليكون لديهم القدرة على التمييز بين مبدأ الأخذ بالأصالة والمعاصرة من جهة والتمييز بين الغث والسمين من جهة أخرى.
ودعوة للباحثين بضرورة إجراء بحوث عن أدوار تربوية أخرى للمهرجان باعتباره أضحى علامة فارقة في أجندة المناسبات الوطنية والخليجية. وأجزم أن الباحثين سيخرجون بنتائج تسهم في الكشف عن أسرار كامنة للمهرجان.
ودعوة للجامعات؛ من أجل إقامة ندوة أو مؤتمر للمهرجان على مستوى أقسام أصول التربية في كليات التربية؛ للعمل على إثرائه باعتباره من موضوعات الأصول الثقافية للتربية والتي تدرس للطلاب في المرحلة الجامعية ومرحلة الدراسات العليا في الجامعة.
وأخيراً أقول شكراً على لساني وكل مواطن لوزارة الحرس الوطني على هذا الحدث الوطني، وشكراً للداعمين له، وللمساهمين على تغطية فعالياته اليومية. وفق الجميع لما فيه خير البلاد والعباد.