أ.د.مساعد بن عبدالله النوح
حدد المولى للذكر والأنثى سمات وتصرفات تتناسب ونوع جنسهما، وتفعيل كل واحد منهما لهذه السمات والتصرفات مقبول لدى جميع الناس، بل غير مستغرب لديه، فمثلاً مقبولاً أن نرى شعراً طويلاً لدى المرأة ونرى شعراً قصيراً لدى الرجل، أما العكس فهو غير مقبول، وبالتالي مستغرب. واللافت للنظر تقمص كل واحد منهما سلوك الآخر متعمداً لدرجة أنه اقترب من معنى الظاهرة في قنوات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. بل اللافت للتعجب انتشار شعار وألوان وتفاصيل أخرى للمثليين ودخولها للبيوت من خلال وضعها على منتجات وملبوسات الصغار والكبار، كما تتضمن الإعلانات التجارية تفاصيل أخرى عنهم.
تمقت الفطرة الإنسانية ناهيك عن تعاليم الديانات كلها تغيير نوع الجنس، والتشبه بالجنس الآخر؛ لما له من آثار دينية واجتماعية ونفسية، كما أن لها آثاراً على تركيبة السكان في المجتمع، فبدلاً أن يتألف نوع الجنس من ذكور وإناث، سيضيف نوعين آخرين هما المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. وإذا كان التغيير مرفوضاً في أية ديانة، فإنه محرم في الإسلام. ولقد وردت أدلة قرآنية وحديثية في هذا المعنى وبصيغ مباشرة.
لقد أثبتت كتابات ذات صلة بالشباب جملة من الأسباب الداعية للتشبه المنحرف، منها: أساليب التنشئة الوالدية لدى البعض، فالدلال الزائد منذ الطفولة ينمي الأبناء من الجنسين على التنعم غير المرغوب فيه، وبالتالي ينشأ الأبناء على تهميش السمات الفارقة بين الذكور والبنات، الأمر الذي يجب أن يثير اهتمام كل مربٍ في مؤسسته.
وتسهم بعض إعلانات الموضة وبرامج التلفزيون في إزالة بعض السمات التي تميز بين الولد والبنت، ومما يؤسف له أن يكون الهدف المعلن من هذه الأعمال متابعة الجديد في عالم الموضة، وإدخال البهجة والسرور على المشاهدين، والتنفيس عنهم من ضغوط الحياة في أثناء أوقات راحتهم، ولو كان على حساب ثوابت المجتمع.
أعرف، كما يعرف الآخرون، أن للفن رسالة تربوية تُجسّد في قوالب مبسطة، تصل إلى قلوب المشاهدين وأذهانهم بأقل جهد ممكن، لكن ما هو موجود بعيد كل البعد عن هذه الرسالة النبيلة.
ومن الأسباب شعور المتشبه بالآخر بالنقص وحبه للفت النظر إليه، وضعف الالتزام الديني لديه وقلة الخوف من الله، والرفقة السيئة التي تقلل من أثر هذا التشبه، وتمرد المتشبه على بعض العادات الاجتماعية، وارتداء الملابس التي تتناسب من الجنس الآخر.
ومن آثار هذا التشبه: مخالفة الفطرة السوية التي خلق الله الناس عليها، قال تعالى {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ...} [الروم: 30]، والتساهل في النهي الوارد في حديث رسـول الله صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) [رواه البخاري]، وروى الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوساً فقال: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال...الحديث)، وقوله (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء)[رواه البخاري]، ومنها تغير النظرة إلى مفهوم نوع الجنس الأصلي، وتأثر درجة الإحساس بالانتمـاء إلى نوع الجنس الأصلي، والتساهل في تفعيل سمات وتصرفات نوع الجنس.
كل واحد منا لديه غيرة على تعاليم الدين الإسلامية السمحة، وعلى المحافظة على السمات والسلوكيات التي تتناسب ونوع الجنس، وبالتالي يلزم كل مؤسسات التربية والأسرة في صدارتها أن لا تتساهل في هذا التشبه المنحرف. وأن تبادر بمواجهته، وإنني أجد تهاوناً مقلقاً من الأسر تحديداً في تداول شعارات وألوان دعاة هذا التشبه.
ولا يعني هذا الطرح أن الرجل لا يستفيد من بعض الخصال الفاعلة للمرأة والعكس صحيح، فهناك سمات مشتركة وحقوق ومطالب تتوافق مع الجنسين، مثل: أخلاقيات المسلم، والمهنة، والدراسة، ومقومات الذكاءات المتعددة ....الخ. فالشواهد الماضية والحاضرة تشهد للمرأة بنجاحات عدة تعكس رجاحة في الفكر، وتنظيما في المنطق، ووعيا في السلوك، وإنجازا منافسا بل ومتفوقا على الرجل. والرجل كذلك.
المرأة في حياتنا قد تكون الأم أو الأخت أو الزوجة أو البنت، وبالتالي نحن مأمورون بالإحسان إليها في حضورها وغيابها أو حياتها ومماتها وليس التشبه بها بالصورة المنحرفة. والعالم بأسره متجه إلى منح المرأة مزيداً من الفرص في خطط التنمية الشاملة؛ لكفاءتها، ودعاة هذا الفكر المنحرف والمتشبهين بها يغرسون أفكاراً غير صحيحة عن المرأة وينمونها على أنها للترفيه والمتعة.
ثم ماذا تريد المرأة عندما تتشبه بالرجل؟ هل لأن في فكرها الباطن أنه الإنسان الكامل، والناجح في عمله أو دراسته، أو لأن الله لم يصفه بنقصان العقل أو الدين، أو لأن الله لم يصفه بالقوارير، أو لأن الله منحه درجة عليها، أو لأن الله جعل نصيبه في الميراث بقدر امرأتين، أو لأن شهادته تعدل شهادة امرأتين.
وماذا يريد الرجل عندما يتشبه بالمرأة؟، هل لأن في فكره الباطن أنها سطحية وذلك في عشقها لمتابعة حركات الموضة المتسارعة، أو أنها تحب المرح والزهو؛ باعتبار أن لها رجالاً يتصدون للمسؤوليات البيتية، فـرق بين نظرة المولى جل وعلا ونظرة الإنسان لنصفـه الآخر، المولى يُكرم المرأة والرجل على سائر مخلوقاته، وهما يحاولان أن يحطا مـن هذا التكريم لنفسيهما أولاً بتشبه أحدهما بالآخر، وثانياً من نصفه الآخر الذي نال التكريم ذاته من الله تعالى.
وفي هذه المساحة أدعو مؤسسات التربية في المجتمع القيام بمسؤولياتهم لمواجهة هذه المشكلة قبل أن تتأصل لدى المجتمع عملاً بقوله تعالى {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
أدعو مقام وزارة الثقافة والإعلام وملاك القنوات الفضائية الأخرى والكًتاب والمنتجين الفنيين والممثلين الإسهام في معالجة هذه المشكلة، وذلك بمراقبة البرامج الإعلامية التي تدعو أو التي تهون من هذا التشبه أو تقلل من قيمة نوع الجنس، استجابة لأمر الله بالمحافظة على الفطرة السوية للإنسان، وإجلالاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولسلامة النشء والشباب فمن دل إلى سوء فعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة.
وإذا لم يكترثوا بما سبق، فليتذكروا أنه قد يكون من المتابعين لمثل هذه البرامج والذين قد يتأثروا بها أبناؤهم، فالبهجة التي لا تأتي إلا من خلال برامج تشبه الرجال بالنساء والعكس صحيح ليست مطلوبة.
وأدعو الأسر إلى اليقظة لسلوك الأبناء والبنات، حيث يربنهم على معرفة السمات والتصرفات المرغوب فيها لهم، وتنمي شعور الاعتزاز بنوع الجنس الذي ينتمون إليه، ويعرفونهم بمكانة كل منهما في الإسلام الابن على خصال الرجال وملابسهم حتى حركاتهم وأصواتهم، والبنت تتربى على خصال النساء وملابسهن وحركاتهن وأصواتهن... والله الهادي إلى سواء السبيل...آمين