فهد بن أحمد الصالح
إن مقال اليوم قصة نجاح؛ تستحق أن تأخذ حيزًا من الاهتمام في المشهد الرياضي والاجتماعي والثقافي، والإشادة بها، وتعميمها، وتقديمها كورقة عمل، تتبناها كل الجهات المعنية بها؛ فالقادم لرياضتنا سيكون إما للأقوى كالأندية الكبيرة صاحبة القاعدة الجماهيرية, أو لمن كانت تملك رؤية مبكرة لما ستكون عليه الحال فاستعدت لذلك اليوم وما بعده، واستنهضت الهمم كي يكون مستقبلها الرياضي آمنًا, وتطلعها الثقافي معدًّا, وهمها الاجتماعي واضحًا, واستثمارها مستدامًا بثقة.
هذا المدخل يأتي تمهيدًا للحديث عن مشروع رياضي وثقافي واجتماعي، أطلقه نادي الفيحاء مؤخرًا، وأسماه البيت الفيحاوي بمبنى تراثي جميل أنيق، يحكي أصالة الارتباط في وطننا الكريم بين ثقافة المعاصرة وإرثه التاريخي. ويضم المبنى متحفًا، يشع بحب أصيل وعناية فائقة بموروثنا الشعبي من الأثاث والقطع الأثرية النادرة التي كان النادي يحتفظ بها قبل إطلاق مهرجانه التاريخي. وترك النادي المجال مفتوحًا لكل من يرغب في المشاركة، وحفظ له حقه بتدوين مشاركته في سجلات المتحف الذي سيكون مفتوحًا لزيارة عامة الناس، ونتطلع قريبًا إلى أن نراه مقصدًا لكل المهتمين من المسؤولين والهواة، مع جعله إحدى المفردات السياحية التي يستثمرها فرع السياحة في محافظة المجمعة.
كما يضم المبني ديوانية الفيحاء التي يجتمع فيها كل المحبين له والزائرين لمبناه، وفيها - دون مبالغة - ترى كيف هي حياة الآباء وبر الأبناء, تقرأ في تلك الديوانية ابتسامة المحبة في أبهى صورها, تستمع لأرتال من الترحاب وقوافل من البشر، تتمنى معها أن لا تغادر المكان، وإن غادرت فأنت ستستعجل العودة إليه, تعيش فيه كيف يكون الفخر مع العطاء, وكيف يكون واقع الحلم إذا تحقق.. تشعر فيه كيف يكون الشكر والتقدير لكل من جعل له بصمة, وتستمع وأنت في الديوانية لأحمد شوقي وهو ينشد (وكن رجلاً إن أتوا بعده... يقولون: مر وهذا الأثر).. تقرأ كيف هي المسؤولية الاجتماعية التي يراها شباب النادي وهم يقدمون جهدهم للمدينة وأهلها وزوارها بحب في العطاء واستطابة للعناء.
الجزء الثالث في هذا المكان الحلم هو للثقافة وللكتاب الذي لا يزال يصارع البقاء بجهود الأقوياء مع العالم الإلكتروني الحديث الذي تجد في أحشائه ما يغني عن المكتوب في الورق، ويجمع لك مكتبات وكتب العلم وأخباره بين يديك. هذه المكتبة كانت قبل ما يزيد على ثلاثة عقود تمثل المكتبة الأولى على مستوى المملكة في الأندية الرياضية، واليوم أُعيد ترتيبها وتأهيلها وفهرستها؛ لتكون كما يأمل مثقفو المدينة وزائروها. والمفرح أن الأهالي اليوم يتسابقون في إهداء الكتب إليها بل قد بلغت بهم الإيجابية إلى الاستفادة من معرض الكتاب ليشتروا لها ما ينقصها ويحتاجه القارئ الكريم، ويتطلعون إلى أن يكون هذا من باب علم ينتفع به، إضافة إلى محبتهم للعطاء، ودعمهم هذا المشروع الثقافي الرائع لمدينتهم.
ولاستعراض تفرد نادي الفيحاء اليوم سنذكر بعض الإنجازات، وأن رجالات النادي مشكورين قد أتموا من تبرعات الأهالي مشاريع استثمارية، ستحقق له الاستدامة - دون شك - حتى مع قرب الخصخصة التي ستلغي الكثير من الأندية، ومنها:-
1 / إنشاء مبنى لمعسكرات النادي وألعابه المختلفة، يحوي غرفًا مفروشة مستقلة، توفر الخصوصية لكل لاعب وأماكن للتجمع وقاعات يستخدمها المدربون لإيصال بعض المعلومات والمهارات أو مشاهدة بعض المباريات وحلقات التدريب.
2 / إنشاء مبنى آخر يُستخدم كسكن للمدربين وعوائلهم، له كامل الاستقلالية مع التأثيث، وآخر يستخدم كسكن اللاعبين المحليين والأجانب؛ حتى تضمن لهم الاستقرار النفسي وعدم تحميلهم تكاليف الذهاب والإياب المرهقة، سواء للنادي أو لهم.
3/ إنشاء مبنى استثماري دور أرضي مؤجر بالكامل على المدخل الرئيسي لمحافظة المجمعة، وهو الطريق الرئيسي الذي يربطها بشمال الوطن الغالي ودولة الكويت الشقيقة، ويعتبر شارعًا حيويًّا، وسيصل الرياض بالقاعدة الجوية الجديدة.
4 / إنشاء برج فندقي ومعارض تجارية بتصميم مميز، وعلى الطريق الذي يربط دول الخليج بالعاصمة المقدسة والمدينة المنورة, وبجواره أرض استثمارية لإقامة محطة نفط متكاملة، لم يبدأ العمل فيها حتى الآن، ومعد لها خطة عمل دقيقة.
5 / تأجير العديد من المواقع على محال للقهوة وقطاعات الأعمال داخل النادي وخارجه, وسيطرح العديد من الخيارات على الشوارع الأخرى؛ فموقع النادي مميز، وجميع شوارعه تجارية، وهذا سيجعل المستقبل الاستثماري للنادي واعدًا.
ختامًا, هي تجربة وقصة نجاح، أتطلع إلى أن تأخذ بها كل الأندية، وأن تتبنى تعميمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأن تقدم كورقة عمل، يقرأ الجميع من خلالها مستقبل الرياضة مع الخصخصة، وكيف تتحقق الاستدامة للأندية غير الجماهيرية. وهذا يأتي مع التوجه نحو تقليص الأندية. وفي مثل هذه التجارب الناجحة إعادة استنبات للدور الثقافي والاجتماعي للأندية الذي صار كالحلم, فالأندية كانت الحضن الآمن للشباب، والمكان الأرحب للرجال، ويجب أن تعود مثلما كانت.