فهد بن أحمد الصالح
كتبت مقالاً قبل أسبوعين بعنوان (التعصب,, ينتقدون ويفعلون)، ركزت فيه على أسبابه ودوافعه والمغذي له ونتائجه على الفرد والرياضة والمجتمع. وفي ندوة أسبوعية بمنزل الوجيه الأستاذ/ حمود بن عبدالله الذييب كان عنوانها (الحزم الرياضي بين الواقع والمأمول)، واستضافت الندوة قيادات رياضية وإعلامية ومدربين وطنيين وأكاديميين ومحللين أصحاب باع طويل في القنوات السعودية والعديد من المهتمين بالشأن الرياضي والمتابعين له، في محاولة لتسليط الضوء على التعصب الرياضي الذي يعصف بالمجتمع في الغالب قبل أن يعصف بالرياضة، وطُرح العديد من الآراء وتباينت بين التأييد والمعارضة بالرغم من ابتعاد الجميع عن التعصب في تلك الندوة التي نتمنى استنساخها، بل إنها لمست حتى الهم الوطني ومنتخباتنا وألعابنا المختلفة، وخرج الجميع بقناعات كثيرة عن هذه الآفة سنأتي هنا على المهم منها والمؤثر، في محاولة لإيصال الأصوات الرافضة للتعصب الذي ينخر في جسدنا الاجتماعي واهتمامنا الرياضي، وهي:
أولاً: اتفق الجميع على ما ذهبت إليه في المقال السابق على أن مسببات التعصب تبدأ من الأسرة وتمر بالمدرسة وتؤججها الأندية بقياداتها وجهازيها الإداري والفني ويحتضنها المجتمع وتغذيها وسائل الإعلام المختلفة مع تباينها في التأثير.
ثانياً: غياب الهيبة الرياضية في العقدين الماضيين مما جعل حتى الدخلاء على الرياضة يطلقون العنان لأنفسهم في كتابة ما يشاؤون دون مراعاة حتى لتعاليم سلوكية دينية واجتماعية، وثقتهم أن الساحة قد أوجدت لكل الناس وإن أخطؤوا.
ثالثاً: غياب اللوائح والأنظمة التي تعاقب من يدفع بالتعصب, وكذلك غياب الأنظمة والسياسات التي تأخذ الحق لمن وقع عليه الخطأ، فخليت الساحة من العقاب، ولغياب الرقيب استبيحت الخصوصيات وتراكمت الخصومات.
رابعاً: ضعف إن لم يكن غياب المحكمة المختصة بالنظر في القضايا الإعلامية, علماً أنها قد انتهت قبل أربعة أشهر ولم يجدد لها أو يعين أعضاء جدد فيها ومواعيدها السابقة التي تتجاوز العام، وهذا جعل الساحة تخلو من سرعة العقاب.
خامساً: غياب الإعلام الرسمي لرعاية الشباب وبصورة شكلت في الوسط الرياضي علامة استفهام، وكأن التواصل بينها وبين المجتمع أصبح غير مستحب لأننا لم نشاهد تصريحاً أو نفياً أو إثباتاً من متحدث رسمي يخرج علينا ويتفاعل مع ما يُطرح في المشهد الرياضي من قضايا ومماحكات سينهيها رأي أو تصريح رسمي، واكتفت الرئاسة بالمشاهدة, وإن كنا نتوقع مع هيكلتها الجديدة وتشبيب قياداتها أن هذا الملف المزعج سيعالج أو يغلق للأبد خاصة في الإعلام ولكن؟.
سادساً: تركيز الإعلام باستمرار على السلبيات وتفشي ظاهرة جلد الذات بصورة واضحة وكأن المجتمع الرياضي ممسوخ من الإيجابية في وسطه الرياضي، وهذا جعل الساحة محتقنة باستمرار مما دفعها إلى تجذير التعصب.
سابعاً: استخدام القنوات الفضائية وبعض الصحف الرياضية الإثارة من باب الشهرة والبحث عن القراء والمشاهدين، وتطلب ممن تستضيف وتوصيه بطرح معلومات تثير الرأي العام باعتراف بعض الحضور تحت الهواء مما جعلها لا تعيد استضافة بعض مما لا يحققون سياستها، هذا إن لم تكن ضده أحياناًً، وهذا إعلام غير مهني دون شك، وأسهم بصورة واضحة ليس في التعصب وإنما في زرع الخلاف، ولعل الهيئة المختصة في ذلك تسعى لاجتثاث هذه الثقافة من إعلامنا.
ثامناً: غياب الوفاء في الساحة الرياضية مما جعل الإعلام الرياضي غير المسؤول يرتع في الساحة لوحده، واعتقاده أن الإعلام لتصحيح السلبية لأنها فقط الموجودة فهو لم ير الإيجابية في تكريم الرموز من القادة والمدربين واللاعبين.
تاسعاً: البعد الكبير ما بين الرئاسة العامة للشباب وهيئة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام جعل الساحة الرياضية مستباحة ودم من فيها مهدرا، ولعلنا في المستقبل القريب نسمع عن تقارب يكفل الاحترام الرياضي وثقافة الاختلاف فيه.
عاشراً: فتح الباب على مصراعيه في إطلاق البرامج الرياضية المشاهدة وإدخال الرياضة في الصحف المهنية المتخصصة، وهذا أفقد الوسط الرياضي التركيز على التطوير ولحق بالحال أن يشجع الفريق أو المنتخب الأجنبي على المحلي.
ختاماً, سيبقى هذا الملف معلقاً حتى يأتي من يقدم للإنسانية الشبابية بالذات أكبر هدية ويعالجه ويقضي عليه، لأننا لا نرغب في خلافات أسرية أو مجتمعية تأتي إلى كياننا الرائع بسبب الرياضة ونفقد اللحمة التي كنا ولا نزال نفاخر بها، ولعل الرئاسة العامة لرعاية الشباب تتعامل مع هذا الهم كمشروع وطني مؤثر على الأجيال القادمة أكثر من تأثيره على الأجيال الحالية، لأن شرارة اليوم هي نار الغد، ورجل اليوم كان شاب الأمس مثلما أن شاب اليوم سيكون رجل الغد, ولا نشك مطلقاً في القدرات الإعلامية المهنية لرجال الرياضة ورموزها والمهتمين بها وقدرتهم على صنع قيمة مضافة لرياضتنا إن تولوا معالجة ذلك ومع جميع الأطراف المعنية كالتعليم والإعلام والداخلية والشؤون الاجتماعية وغيرها.