يوسف المحيميد
رغم هذه الحشود المتهافتة نحو معرض الرياض الدولي للكتاب، والذي اختتم أخيرًا، لم تزل المعطيات التي نشرتها الأمم المتحدة حول عادات القراءة في العالم العربي تشير إلى أن معدل ما يقرؤه الفرد العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط، بمعنى أننا لم نزل نعاني من أزمة قراءة، ولم نكمل بعد قراءة صفحة كاملة سنوياً، حتى وإن كانت أرقام مبيعات معرض الكتاب تقدَّر بملايين الريالات، فحضور المعرض في حياتنا اليومية هو حضور مؤقت، يمتد لعشرة أيام فقط سنوياً، بمعنى هل يمكن أن يُقتنى الكتاب بشكل يومي؟ وما نسبة مبيعاته في المكتبات الكبرى، قياساً بالمستلزمات المكتبية والإلكترونية؟ وما مدى توفر الجديد منه في هذه المكتبات؟
هل نحن بحاجة إلى معرض كتاب دائم، من خلال سوق مخصص للكتاب مثلاً؟ في مكان جاذب في محتوياته ومكوناته، تتوفر فيه مقاهي وصالات عرض فنون معاصرة (جاليريات) كحي البجيري في الدرعية مثلاً؟ أم نحن بحاجة إلى سوق دائم للكتب المستعملة، من أجل تدوير الكتب والاستفادة منها، كما في ساوثبانك بوك ماركت في لندن، وغيرها من العواصم الأوروبية، أو كما في سُوَر الأزبكية للباحثين عن كتب قديمة لم تعد تطبع، وكتب زهيدة الثمن، أو كما في شارع المتنبي ببغداد، وغيرها، وأيضاً كما في محال بيع الكتب المستعملة في الرياض، وهي متفرقة في الأنحاء، فلو تم جمعها، وخصص لها موقع في حي البجيري، مع مكتبات معروفة متخصصة في بيع الكتب الجديدة، سواء الكتب العربية أو الإنجليزية، فإن ذلك سيخلق مناخاً ثقافياً، مرتبطاً بالكتاب، ويخلق الصلة المستمرة به، حتى يصبح حضوره شأناً يومياً، وليس موسمياً، مجرد بضعة أيام من مارس كل عام.
كثير من دول العالم المتقدم، ورغم ما يشكل الكتاب لهم من زاد يومي كالغذاء، إلا أنهم يشعرون بقلق مستمر، من انحسار القراءة، ويستغلون كل الطرق والوسائل التي من شأنها تعزيز القراءة لدى شعوبهم، بينما نحن ورغم أرقام الأمم المتحدة، التي لم تتحسن منذ عقود، سواء على مستوى الوقت المخصص للقراءة، أو على مستوى الطباعة والنشر والترجمة وغيرها، إلا أننا نكتفي بعشرة آيام فقط كل عام، ثم نتجاهل الكتاب لبقية أيام العام!
إن أجمل ما لفت انتباه العالم لمعرض الرياض الدولي للكتاب، والصورة الأكثر تعبيرًا، التي انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي، هي صورة لطابور طويل جداً من النساء اللاتي ينتظرن دورهن لدخول المعرض، مما يبشر أننا سنصنع جيلاً قارئاً، فالأم التي تقرأ، وتقود أطفالها في ردهات المعرض، لاقتناء الكتب، هي بالضرورة ستنشئ جيلاً رائعاً، قد يتشكل بوضوح خلال العقود القادمة.
فهل المرأة مغرمة بالقراءة بحثاً عن المعرفة، أم أنها تبحث عمَّا يحسّن مزاجها، لتواجه الحياة القاسية، حيث يقول جبران خليل جبران إن المرأة التي يتحسن مزاجها من كتاب، قصيدة، أغنية، أو كوب قهوة، لن ينتصر عليها أحد، حتى الحياة تخسر أمامها. ومع ذلك، فأيّاً كان هدف المرأة من القراءة، فهو قدوة حقيقية ومثالية لأطفالها، مما سيخلق جيلاً قارئاً، جيلاً محملاً بالوعي والمعرفة.