عبدالله الغذامي
ظهر عبدالرحمن الوابلي مع برنامج (طاش ما طاش) الشهير في مغربيات شهر رمضان، والوابلي في أصله أكاديمي تدرب على المنهجية الأكاديمية، وكونه يكتب لبرنامج كوميدي، خفيف وإمتاعي، سوف يتحدى كل الضبط الأكاديمي والدقة المنهجية، وكيف تجعل مصطلحا كالليبرالية مثلا مادة لحلقة ساخرة ودرامية، وكيف تحول الصعب والشائك ليكون مسليا وإمتاعيا، وكذلك كيف تنقد الممارسات العامة في الحسبة والتعليم والخطاب الوعظي، كيف تخضعها لنقد درامي ساخر (بالمعنى الفني والتمثيلي والنقدي)، وهذه كلها مخابئ ألغام اجتماعية وثقافية لم يسلم منها عبدالرحمن الوابلي، في حياته وفي يوم مماته، حيث انطلقت تغريدات في تويتر تدعو عليه بدلا من أن تترحم عليه وتشمت به بدلا من أن تعزّي فيه....!!!!، ومجمل القول أن البعض أخذ عليه المبالغة والانتقاد وكشف العيوب، وكانوا يريدون منه أن يغض الطرف عن أخطاء الصالحين ويلتمس لهم العذر. وهذه رؤية تخالف كل أساس للمعنى الدرامي الذي من شأنه أن يأخذ المعنى إلى أقصى حالاته، فيبالغ بلا حدود، وينقد بلا حدود، ويحول الجاد إلى مضحك، وليس في ذلك ما يثير الريبة ولن يكون فاعله في هذه الحالة مارقا ومتربصا بالصالحين، مثما أنه نقد الليبرالية بشدة وقسوة، مع أنه محسوب عليها، لكنه مارس نقدا ذاتيا لا يجعله غير ليبرالي من جهة ولا يجعله غير ملتزم بحق دينه ووطنه من جهة ثانية، لقد كان ناقدا ينقد التباس المصطلحات المثالية حين تتحول إلى سلوكيات غير مثالية، وهذا دور أتقنه الدكتور عبدالرحمن الوابلي بمهارة جعلت حلقاته مع طاش من أشد مناسباتنا الثقافية حدة في المناقشات التالية لبث الحلقة، وخلق بهذا حيوية ثقافية ومجتمعية صنعت لها ريادة وتميزا وسجلت حضورا للمعنى النقدي الثقافي بأحد صوره وأقواها أثرا، عليك رحمات الله ورضوانه، وأنت المثقف الذي صدق أهله وتحمل مغبات صدقه.