عبدالله الغذامي
تقول الحكاية إن الشاعر النبطي الكبير محمد العبد الله القاضي (1224ـ 1285 هـ) كان يمر بحالات أرق شديدة، ويظل يتقلب في فراشه عاجزاً عن المنام وكل الكون حوله نائم بهدوء وراحة بال، وفي ليلة من الليالي ضاقت به نفسه فغادر فراشه وخرج من بيته يتجول في أسواق وسط عنيزة، ويدور بين الدكاكين المغلقة والغارقة في منام يشبه منام أهلها في بيوتهم، ومن تصميم الدكاكين في ذلك الوقت أن تكون لها عتبات عريضة توضع عليها البضائع للعرض على الزبائن، والناس يأخذون متطلباتهم من فوق العتبات ولا يضطرون لدخول الدكان ولذا تكون العتبة عريضة ومتساوية، وهذا ما سهل الأمر على رجل يطلق عليه الناس اسم حمّوم، بتشديد الميم، وقد فقد عقله ويعيش سائباً بين الشوارع والبيوت، ولاحظ الشاعر أن حموم كان ممدداً على إحدى العتبات يغط في نوم عميق وكان رأسه متدلياً خارج العتبة باتجاه الأرض، وكأنه معلق في الفراغ ومع ذلك كان يغط هنياً مرتاحاً وغارقاً في نومة عميقة لا يكدرها أي عامل خارجي مهما كان، وهنا قارن الشاعر حاله في فراشه الوثير في غرفة نظيفة ومعطرة، وحال هذا النائم في شارع تكثر حشراته وبعوضه، وينام حمّوم على عبتة من الحجارة مكسوة بالتراب، وحينها جاءت في رأسه قصيدة طويلة يناسب هنا أن نذكر مطلعها الذي صار بيتاً يروى وتسير به الروايات والألسنة حيث قال:
لو با تمنى تمنيت راس حموم
بالليل، والا بالنهار أبي راسي
وهو بيت صار على لسان كل مؤرق عجزت عينه عن المنام. ومن طبعي أني لا أعتني بحفظ الشعر النبطي، ولكن هذا البيت صاحبني عمري كله، وظل رفيقاً لي، وإن كان لم يعالجني من أرقي إلا أنه صنع لي مصاحبة وجدانية مع شاعر له مقام كبير في الذاكرة والموروث الشعبي.