عبدالله الغذامي
في عام 1972 كنت في جامعة أدنبره/ أسكوتلندا وكنت منهمكاً في تتبع بحثي عن نازك الملائكة وتجميع مادة البحث، وانشغلت كثيراً في قضية الشعر الحر ومتى ظهرت بوادرها، وكل المؤشرات تفيد بأن نماذج مبكرة ظهرت قبل نازك، لكني لم أضع يدي حقاً على شيء موثوق، حتى جاء إعلان في الكلية عن أستاذ عراقي سيأتي ليلقي محاضرة عن هذا الموضوع تحديداً، وحينها سمعت من المحاضر قصائد منذ مطلع القرن العشرين كلها نشرت في الصحف العراقية وكلها شعر حر، وبعد المحاضرة تعلقت بالمحاضر كي يزودني بالمراجع ـ وهو يعرفني ويعرف أني أبحث في الموضوع ـ ولكن المحاضر تمنع عن ذكر المراجع لي وقال إنه قد عمل مسحاً لكل الصحف العراقية منذ بداية القرن العشرين، ورصد كل النصوص وأنه سينشر كتابه عنها قريباً، وهذا دفعني للتعلق به كلما رأيته وأسأله عن أخبار كتابه وهو يقول: قريباً قريباً... وبعد مدة قابلني عابساً مكتئباً وذكر لي أن عاصفة مطرية اقتحمت حجرته وأنها دمرت كتابه ذاك، وراح ينوح ويتوجع على حاله وضياع جهده، وكنت أنا أشد منه مصيبة خاصة أنه ذكر لي أن ليس لديه أي قصاصات ولا مسودات أخرى عن الموضوع، وهذا أدخلني في دوامة لم اتصور المخرج منها وتعطل بحثي حقيقة وعمليا، إلى أن زارنا الزميل طالع الحارثي - رحمه الله - وذكر لي أنه قد رأى كتاباً بعنوان: (الشعر العراقي الحديث) بنسخة وحيدة معروضاً في أكسفورد، ثم أفضل بإرساله لي لاحقاً، وإذا بي أجد الكتاب قد استعرض الصحف العراقية منذ مطلع القرن وعرض النصوص كلها موثقة ومرتبة، وتكشف لي أن المطر لم يعدم كتاب صاحبي وأنه كان قد اختلس كتاب الدكتور يوسف عزالدين وادعاه لنفسه في محاضرته تلك. وقد كان كتاب عز الدين جديداً حينها ومنشوراً في العراق، ولعله ظن أن الكتاب لم يخرج من العراق مما جرأه على لطشه، ولكن نسخة وحيدة في مكتبة صغيرة في أوكسفورد مع مصادفة لقاء عابر مع زميل كشفت الحقيقة وكشفت براءة المطر من دم كتاب يوسف.